ترك برس

تناول مقال تحليلي للخبير الاستراتيجي التركي يحيى بستان، الاتفاق الذي وقعته الحكومة السورية مع تنظيم قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وما إذا كان يمثل تصفية نهائية لتنظيم "بي واي دي" الإرهابي أم خطوة نحو إقامة حكم ذاتي في سوريا.

كما استعرض المقال الذي نشرته صحيفة يني شفق موقف تركيا الحذر من الاتفاق، حيث تتابع تنفيذه لضمان القضاء على التهديدات الأمنية دون تصعيد عسكري.

يناقش المقال أيضاً أسباب قبول "قسد" بالتفاوض، ومنها الضغوط الإقليمية والانسحاب الأمريكي المحتمل، بالإضافة إلى تأثير الاتفاق على مستقبل المنطقة، وخاصة فيما يتعلق بتسليم السلاح والاندماج التدريجي في الجيش السوري.

ويشير إلى دور تركيا والدول الإقليمية في متابعة التطورات، وإمكانية حدوث تغييرات بعد عيد الفطر، بما في ذلك مسألة ضريح سليمان شاه. وفيما يلي نص المقال:

ثمّة تعبير شائع في اللغة الإنجليزية "Too good to be true" أي "جيد إلى حد لا يُصدَّق". وهذا ينطبق تمامًا على التطورات الأخيرة؛ حيث أعلنت قيادة "قنديل" التزامها بدعوة "إمرالي"، فيما جلست "قسد" على طاولة المفاوضات مع دمشق. هل رأيتم هذا المشهد؟ لو لم يكن هناك إرث من الصراعات يمتد لأربعة عقود، لاستقبلنا ذلك بفرح. ولكننا تعلمنا من التجارب السابقة أن الحماسة المبكرة كلفتنا أثمانًا باهظة، ولهذا السبب نحن متحفظون.

إن الاتفاق الذي وقعه الرئيس السوري الشرع مع قائد "قسد" مظلوم عبدي واسع النطاق. فبينما يرى البعض أنه يمهد لإنشاء "فيدرالية في سوريا"، يفسره آخرون على أنه استسلام من جانب "قسد" وكلاهما يشير إلى النص نفسه. إذن، ماذا تقول المصادر؟ قبل الإجابة لا بد من تحديد مطالب دمشق و"قسد"، وما الذي وقّعتا عليه بالضبط.

حساسيات أنقرة

بعد سقوط نظام الأسد بخمسة أيام فقط، أدلى وزير الخارجية التركي هاكان فيدان بتصريح واضح، أكد فيه أن "على كوادر تنظيم "بي كي كي" مغادرة سوريا، وعلى العناصر المتبقية إلقاء السلاح، كما أن القضاء على وحدات "بي كي كي/قسد" يُعدّ هدفًا استراتيجيًا لأنقرة". وفي اليوم نفسه، شدد فيدان على نقطة أخرى بالغة الأهمية، وهي "ضرورة عدم إلحاق أي ضرر بالأكراد أثناء القضاء على قسد ".

لكن كيف ومن سيحقق ذلك؟ في هذا السياق، أكدت أنقرة استجابةً لمطلب دمشق أن المسؤول الرئيسي عن هذه العملية هو الحكومة السورية. وخلال لقاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بوزير الخارجية السوري الشيباني، تم التأكيد على أن "مكافحة الإرهاب في سوريا أصبحت الآن من مسؤولية الإدارة الجديدة في دمشق، وأن أنقرة مستعدة لتقديم الدعم اللازم". وفي هذا الإطار، أشار وزير الخارجية التركي إلى أن قسد "إما أن تتغير إلى كيان آخر، أو ستختفي تمامًا، وأن تركيا ليست مع استخدام العنف لتحقيق ذلك إلا إذا اضطرت" (10 كانون الثاني).

وبعبارة أخرى، فضّلت أنقرة إعطاء فرصة للحل الدبلوماسي، حيث تمثل الهدف النهائي في إنهاء تنظيم "بي كي كي" الإرهابي دون إطلاق رصاصة واحدة. وبناءً على هذا التوجه، بدأ الضغط على التنظيم الإرهابي في محيط سد تشرين، بينما جرت مفاوضات بين دمشق و"قسد". وتجدر الإشارة إلى أن تصريح الرئيس أحمد الشرع "نجري مفاوضات" يعود إلى 29 ديسمبر.

ما هي مطالب "قسد" في سوريا؟

تعد "قسد" الذراع السوري لتنظيم "بي كي كي"الإرهابي، وهدفها الأساسي كان إنشاء ممر إرهابي في الشمال السوري. غير أن تغيّر المعادلات الإقليمية أجبرها العام الماضي على محاولة فرض واقع سياسي جديد عبر انتخابات صورية تمهيدًا لإضفاء طابع "الدولة" على وجودها. لكن تم إحباط هذا المشروع. ومع انهيار النظام السابق، أدركت هذه القوات أن عليها إيجاد حل داخل الإطار السوري.

وفي هذا السياق، سعت الولايات المتحدة إلى تقوية موقف "قسد" خلال المفاوضات، فعملت على توحيد الفصائل الكردية تحت مظلة واحدة. وعُقدت اجتماعات في سوريا أولًا، ثم في شمال العراق، بهدف تشكيل كتلة سياسية موحدة يمكنها مواجهة الإدارة الجديدة في دمشق. وقد نجحت هذه الجهود جزئيًا.

وعقب هذه التحركات، بدأت "قسد" بتقديم مطالبها لدمشق، حيث دعت إلى إقامة نظام فيدرالي لا مركزي، كما طلبت ضمانات دولية، مثل إنشاء منطقة منزوعة السلاح تحت حماية أمريكية، أو نشر قوات فرنسية أو أمريكية لضمان الأمن على الحدود السورية التركية. ورفضت تسليم معسكرات "داعش" إلى الحكومة السورية، وطالبت بحصة من الموارد النفطية، واشترطت الانضمام إلى الجيش السوري ككتلة موحدة، مع منحها فترة انتقالية لمدة عامين لإتمام عملية الاندماج.

لماذا جلست "قسد" على طاولة المفاوضات؟

تشير التصريحات الصادرة من الطرفين إلى أن هناك نقطتي خلاف رئيسيتين بين دمشق و"قسد": أولاً، رغبة "قسد" في الاحتفاظ بإدارتها للمناطق التي تسيطر عليها، وثانياً، رفضها تسليم سلاحها والانضمام إلى الجيش السوري.

ولكن رغم ذلك، وبعد فترة طويلة من التعنت، قررت "قسد" فجأة الجلوس إلى طاولة المفاوضات. ويمكن تلخيص أسباب ذلك على النحو التالي:

ـ تزايد المؤشرات على انسحاب أمريكي وشيك من سوريا، مما وضع ضغوطًا كبيرة على قسد للجلوس على طاولة المفاوضات.

ـ قيام الجيش الأمريكي بجمع بعض الأسلحة التي سبق أن زوّد بها "تنظيم "بي كي كي" الإرهابي.

ـ تغير موقف الدول الأوروبية التي كانت تدعم قسد، إذ أبدت فرنسا والاتحاد الأوروبي دعمًا أكبر للحكومة السورية.

ـ تعليق بعض العقوبات المفروضة على دمشق، وقرار دول الخليج تقديم دعم مالي للحكومة السورية.

ـ دعم دول الجوار السوري، بما في ذلك تركيا والأردن والعراق ولبنان، لإدارة الشرع، حيث تم تشكيل مركز عمليات مشترك لمكافحة تنظيم داعش.

ـ أخيرًا، دعوة "إمرالي" إلى إلقاء السلاح.

نتائج الاتفاق

قال الرئيس أردوغان: "إن تنفيذ الاتفاق بشكل كامل سيسهم في تعزيز أمن واستقرار سوريا" إذًا، ماذا يقال أيضًا؟ كيف يتم تحليل الاتفاق؟ سأوجز لكم الأمور كما يلي:

أولا: في المرحلة الأولى، تم ضمان اعتراف "قسد" بوحدة أراضي سوريا، ما يعني انتهاء "الممر الإرهابي". ومع التغير السريع في المعادلات الإقليمية لصالح دمشق، لن تتمكن هذه القوات من التراجع عن هذا الموقف في المستقبل.

ثانياً: تركيا ستتابع التنفيذ. لقد تم منح مهلة تسعة أشهر لتنفيذ هذه الاتفاقية (أي أعطيت مهلة لاندماج "قسد" في سوريا حتى نهاية العام كحد أقصى. بينما كانت قوات سوريا الديمقراطية تطالب بفترة سنتين). وعلى التنظيم خلال هذه الفترة تسليم أسلحته والاندماج. يمكننا أن نسمي هذا "اندماج تدريجي."

ثالثاً: بموجب الاتفاقية، أصبحت "قسد" عاجزة عن استخدام أسلحتها ضد تركيا. فأي هجوم، مهما كان صغيرًا، سيعتبر خرقًا للاتفاق.

رابعاً: هناك استعجال من ترامب. وترغب الولايات المتحدة في الخروج بسرعة من سوريا. وقد ساهم الاتفاق في تهيئة الظروف اللازمة لهذا الانسحاب.

خامساً: إذا لم تندمج "قسد" في الجيش السوري بحلول نهاية العام، فإنها ستواجه أزمة حقيقية.

ضريح سليمان شاه بعد العيد

بعد الاتفاق، لم يتغير شيء بالنسبة لوجود القوات المسلحة التركية في سوريا. سيستمر الجنود الأتراك في التواجد هناك. وستستمر العمليات طالما أن قوات "قسد" لا تزال تحمل الأسلحة. وفي الأيام القادمة، ستتكثف الزيارات العسكرية المتبادلة بين أنقرة ودمشق. كما ستُطرح تدريبات عسكرية لتطوير قدرات الجيش السوري. وبعد العيد، في شهر أبريل، قد تحدث تطورات بشأن ضريح سليمان شاه.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!