بلال سلايمة - خاص ترك برس
لا شك أن انضمام تركيا للضربات التي يقوم بها التحالف الدولي ضد تنظيم داعش يمثل نقطة تحولٍ، لكن نقطة التحول هذه تعبر عن تغير في السياسة التركية تجاه الملف السوري والتعامل معه، أكثر من تعبيرها عن تغير في سياسة التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية وسير عملياته، أو في توجهات القوى الكبرى تجاه الأزمة.
دخول تركيا التي أصرت على رفضها على مدى أشهر الانضمام للضربات الجوية أو فتحها لقواعدها العسكرية لطائرات التحالف تحت مظلة التحالف الدولي سيعزز من الإمكانيات اللوجستية للتحالف في ضرب التنظيم، فقاعدة "إنجرليك" العسكرية الموجودة في مدينة أضنة تركيا ستختصر المسافة على طائرات التحالف المشاركة في ضرب التنظيم من مسافة 1000 ميل في حال انطلاقها من القواعد العسكرية في الخليج العربي إلى مسافة 250 ميل فقط، ما يعني زيادة القدرة العملياتية لهذه الطائرات. كما أن انضمام تركيا للحملة الدولية على التنظيم بشكل رسمي يرافقه مجموعة من الالتزامات في محاربة التنظيم والتضييق عليه، من قبيل تشديد الإجراءات الأمنية على الحدود وملاحقة العناصر المساندة للتنظيم داخليًا، فضلًا عن الضربات التي سيقوم بها سلاح الجو التركي.
هذه التسهيلات التي ستوفرها تركيا من خلال دخولها تحت مظلة التحالف ستعزز من أهداف التحالف وتوجهات الدول الكبرى (والولايات المتحدة الأمريكية تحديدًا بوصفها قائدة التحالف) في المسألة السورية، دون أن تؤدي إلى تغيير يذكر في استراتيجية التحالف وأهدافه العريضة.
فما كانت تركيا لا تبرح تؤكد عليه من كون تنظيم داعش يمثل "نتيجة" لعوامل سياسية واقتصادية أهمها السياسات الاقصائية والظالمة التي تقوم بها حكومتي دمشق وبغداد، وليس "سببًا" في حد ذاته، لا يبدو أنه أخذ بعين الاعتبار مع انضمام تركيا للتحالف، فضلًا عن أن الاتفاق الذي تم التوصل إليه مع تركيا لا يشمل إي إشاراتٍ لمواجهة النظام السوري أو شمله في توجهات التحالف كما كانت تركيا تطالب مسبقًا.
على الجانب الآخر، يمثل دخول تركيا للتحالف الدولي تحولًا (ولو جزئيًا) في السياسة التركية تجاه الملف السوري. فعلى الرغم من كون انضمام تركيا للتحالف قد لا يقرأ في سياق تغير جذري على صعيد المنطلقات العامة والمحددات العريضة للسياسة التركية تجاه الملف السوري، إلا أنه من المؤكد أن يحمل تغييرًا على صعيد التكتيك سيكون له تبعات على توازنات القوى في الساحة السورية.
تركيا بدخولها تحت مظلة التحالف عادت من جديد إلى موضعها السابق كحليف للدول الغربية ومشارك في تنفيذ سياساتها في ملفات المنطقة. وبهذا الدخول ستكون تركيا قد تراجعت عن محاولاتها في لعب دورٍ مستقلٍ في المسألة السورية ينبع من مصالحها القومية ورؤيتها المستقلة، بل عادت من جديد إلى مدارها في حلف الناتو والتوجهات الغربية. هذه العودة للمدار السابق سيكون له تبعات مستقبلية على الدور التركي في تطورات الوضع في سوريا، وكذا على الموقف التركي في أي مقترح لحلحلة الوضع السورية. فما عادت تركيا اليوم تغرد بعيدة عن سرب الناتو كما سبق.
أولى تبعات هذه العودة للتناغم مع المعسكر الغربي بدأت تظهر علاماتها في موقف تركيا من تنظيم داعش، سواءًا من خلال الضربات التي توجه للتنظيم جوًا أو من خلال حملات الاعتقال والتضييق على مناصري التنظيم في الداخل التركي. في حين حاولت تركيا سابقًا أن تقف على مسافة من محاربة التنظيم، متجنبة فتح جبهة معه، كما تأملت بعض الأوساط المقربة من صانع القرار التركي أن يكون التنظيم رافعة لتغيير موازين القوى على الساحة السورية وتحديدًا في الشمال السوري.
كما أن ما رشح عن التفاهمات التي توصل إليها الأتراك مع موفد الرئيس الأمريكي ومستشاره لمحاربة داعش "جون آلن" الذي زار أنقرة في السابع من شهر تموز/يوليو الحالي، وكذا الاتفاقية التي تم توصل إليها الجانب التركي مع الجانب الأمريكي يؤكد أن الحديث عن منطقة "عازلة" أو "خالية من داعش" - كما يفضل الأمريكان تسميتها - ستحدد بالمنطقة بين إعزاز وجرابلس فقط، الأمر الذي وإن كان سيعني تحقيق هدف تركيا (ولو مرحلياً) بمنع الأكراد من ربط مناطق سيطرتهم شرقي الفرات مع عفرين لتشكيل حزام سيطرة على طول الحدود مع تركيا، إلا أنه بكلماتٍ أخرى يمثل اقراراً ضمنياً بالمكاسب التي حققها حزب الاتحاد الديمقراطي في الشمال السوري، وآخرها السيطرة على مدينة تل أبيض وربط مناطق سيطرة الحزب لتشكل امتداداَ واحداً من الحدود العراقية إلى ضفاف نهر الفرات.
من المؤكد أن للحكومة التركية أسبابها الداخلية والخارجية، السياسية منها والأمنية (التي لسنا بصدد تقييمها الآن) والتي دفعتها للتناغم مع التحالف الدولي من خلال المشاركة في ضرباته وفتح قاعدتها العسكرية لطائراته، إلا أن هذا الانضمام لضربات التحالف رسميًا يمثل نقطة تحول بالنسبة للسياسة الخارجية التركية تجاه سوريا تحديدًا، ما يرفع إشارات استفهام حول قدرة تركيا على الإبحار بحرية واستقلالية في ملفات المنطقة بعيداً عن الرياح الدولية في قادم الأيام.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس