أمين بازارجي – صحيفة أكشام – ترجمة وتحرير ترك برس
لم يبقى الكثير، فالاستعدادات والتحضيرات اللازمة لشن حملة عسكرية واسعة ضدّ تنظيم الدّولة (داعش) في سوريا، قد انتهت. ولا أحد يستغرب إن بدأت الحملة خلال الأيام القليلة القادمة. وأكبر دليل على ذلك هو إخلاء عناصر جبهة النصرة لمواقعها القريبة من الحدود التركية لأنهم لا يريدون الصِدام مع القوات التركية.
تركيا تداركت الوضع بشكل سريع هذه المرة، فلم تسمح بسيطرة عناصر حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (PYD) على المناطق التي تركتها عناصر جبهة النصرة، بل على العكس، قامت بتسهيل دخول عناصر كتائب السلطان مراد إلى هذه المناطق. هذه الكتيبة تابعة للجيش السوري الحر وجُلّ عناصرها من التركمان. والأهم من ذلك كله أنّ التدابير والاحتياطات اللازمة لهذه الخطوة، قد تمّ التجهيز لها مسبقًا. فلم يعد بإمكان تنظيم (PYD) دخول تلك المناطق والاستمرار في التوسع.
ومن الخطوات الهامة التي تمّ اتخاذها في هذا الشأن:
1 – تمّ تحذير التنظيم الكردي من قِبل الولايات المتحدة الأمريكية بعدم دخول تلك المناطق.
2 – الطائرات والدبابات التركية باتت على استعداد كامل لأي تحرك من قِبل عناصر التنظيم الكردي ضدّ هذه المناطق. وفي حال عدم انصياع عناصر التنظيم لهذه التحذيرات، فإنّ ضربات موجعة سوف تُوجّه ضدّها مباشرةً.
الخلاصة أنّ المشهد الحالي يدل على أنّ تركيا لن تسمح بتكرار سيناريو منطقة تل أبيض في المناطق السورية المجاورة لحدودها. لا سيما أنّ الجميع بات يعلم كيف قام تنظيم (PYD) بتهجير أهالي منطقة تل أبيض من العرب والتركمان بعد أن أحكم سيطرته عليها.
بدأت جبهة النصرة بالانسحاب من المناطق القريبة من الحدود التركية، لكن هذا لا يعني أنّ الجبهة سوف تتفكك وتنحلّ. فجبهة النصرة وبعد أن تخلت عن مواقعها الحدودية، بدأت تميل نحو معاقل قوات الأسد. فهدف هذه الجبهة الأن هو الزحف نحو محافظتي اللاذقية وطرطوس اللتان تعتبران من أهم مراكز قوات النظام السوري.
من المعروف أنّ جبهة النصرة تتبع بولائها لتنظيم القاعدة. لكنها تحارب قوات الأسد وعناصر تنظيم داعش في آنٍ واحد.
لننتقل الآن للحديث عن المنطقة الآمنة أو ما يسمّى بالمنطقة العازلة. فهذه المنطقة سوف تمتد لمسافة 100 كيلومتر وبعمق 45 كيلومتر، لتشمل المناطق الواقعة بين جرابلس ومارع. ولقد قُدّر عدد سكان هذه المنطقة بـ 600 ألف نسمة، وغالبيتهم من التركمان.
الغريب في الأمر أنّ تنظيم (PYD) يطمع في هذه المنطقة على الرغم من الانعدام شبه التام للوجود الكردي فيها. فبحسب المصادر المحلية، فإنّ التنظيم كان قد جهّز جيشًا قوامه 3000 مقاتل لاقتحام هذه المنطقة، إلّا أنّ دخول الطائرات التركية ومشاركتها إلى جانب التحالف الدّولي في الحملات الجوية ضدّ مواقع داعش، أفسدت لتنظيم (PYD) خطته في السيطرة على هذه المنطقة. وإنّ علامات الإرباك التي أصابت عناصر تنظيمي (PKK) وجناحه المسلح في سوريا (PYD) بالإضافة إلى أعضاء حزب الشعوب الديمقراطية والداعمين لهم من الداخل والخارج، خير دليل على صحّة هذا الكلام. ولهذا السبب بالذات يحاولون الآن التقرب أكثر من رأس النظام السوري "بشار الأسد". فهم الآن يحاولون كسب ودّ النظام السوري وإيران وروسيا.
الحقيقة أنّ القيادة التركية اتبعت منذ بداية الأحداث في سوريا سياسة حسن النوايا مع معظم الشرائح السورية. فقد منحت تسهيلات كثيرة للأكراد سواء داخل الأراضي التركية والسورية. فعندما استنجد الأكراد بالدّولة التركية، سارعت القيادة التركية إلى نجدتهم عبر سياسة الباب المفتوحة. وقامت كذلك بفتح أراضيها لقوات البشمركة للعبور منها إلى بلدة كوباني التي كانت تحت وابل نيران تنظيم داعش. ولا ننسى أنّ الشاحنات التي كانت تقلّ مساعدات إنسانية للتركمان أفرغت جزء كبير من حمولاتها في بلدة كوباني الكردية. إلّا أنّ عدد من الأطراف المعادية للدّولة التركية بدأت بإطلاق الافتراءات التي تفيد بأنّ القيادة التركية ترسل الأسلحة إلى تنظيم داعش. وهذا بطبيعة الحال أضرّ بالتركمان في سوريا.
تركمان تلك المناطق باتوا قادرين على حماية أنفسهم وإدارة شؤونهم. لأنهم أصحاب تلك المناطق منذ مئات السنين وليسوا مثل تنظيم (PYD) وأنصاره الذين يحاولون الاستيلاء على المناطق بقوة السلاح. فالتركمان هم أصحاب الحق في هذه المناطق.
وخلاصة كل ما ذكرناه، أنّ فتح قاعدة إينجيرليك أمام طائرات التحالف الدّولي، غير قواعد اللعبة رأسًا على عقب. وسنرى نتائج ذلك جليةً على الأرض خلال الأيام القليلة القادمة. وفي حال تمّ إجلاء قوات النظام الأسدي وعناصر تنظيم داعش بشكل كامل من مدينة حلب، فإنّ أوراق اللعبة في سوريا سوف تُعاد النظر فيها من جديد. وسيصاب عدد من دول المنطقة التي تبني سياساتها على أساس تحركات الجماعات الإرهابية، بخيبة أمل كبيرة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس