أحمد البرعي - خاص ترك برس
شهدت ولا تزال منطقة الشرق الأوسط إحدى أشرس حلبات الصراع في التاريخ المعاصر، ويبدو أن المعركة في الآونة الأخيرة قد اشتد وطيسها وأضحت أطراف الصراع مجبرة على إخراج كل ما في جعبها، واللعب بكل أوراقها، فالفوز في هذا النزال لم يعد بالنقاط بل بالضربة القاضية، فهو نزال موت أو حياة. تركيا كإحدى أهم اللاعبين في هذا النزال الطويل، كانت قد فازت في بعض جولاته بالنقاط ولكنها الآن تجد نفسها مضطرة للعب بكل ثقلها فالجولات القادمة غاية في الحساسية والصعوبة وخاصة أنها تأتي بالتزامن مع حالة من التوتر الداخلي والضبابية السياسية التي تعيشها البلاد، إذ لا يغيب عن عين الراصد المتابع للشأن التركي حالة الارتباك والتراجع التي تلف العديد من القضايا المحورية في الجمهورية التركية.
فهل المقام في تركيا مقام حرب أم مقام إعادة نظر في ترتيب أوراق البيت الداخلي؟ هل المقام في تركيا مقام تحد لقوى الظلام العظمى التي تسعى لكسر شوكة تركيا الصاعدة أم أن المقام مقام دبلوماسية "معتادة" ومقاربات سياسية مع هذه القوى للخروج من مستنقع صراعات مسلحة لا نهاية لها؟ هل المقام في تركيا مقام إعادة الثقة في الاقتصاد التركي وفتح آفاق جديدة للمواطن التركي أم أنه مقام تحد لإرهاب داعش وحزب العمال الكردستاني؟ أم هل المقام مقام بناء تحالفات جديدة أضحت ضرورة تعلمها تركيا جيداً ولكن ما من مجيب في العالم العربي والإسلامي؟!
لقد شهدت الجمهورية التركية في الأسابيع القليلة الماضية أياماً صعبة على الصعيد الداخلي فقد سقط العديد من القتلى والجرحى وشهدت العديد من المدن والمحافظات التركية عمليات إرهابية وتفجيرات دموية أودت بحياة الأبرياء من مواطنيها. كانت تركيا قد جنبت مواطنيها ويلات هذه الصراع المسلح في السنوات الثلاث الماضية عقب الشروع بعملية السلام الداخلي مع الأكراد والتي يبدو، وللأسف، أنها قد دخلت في حالة من الموت السريري كما قال رئيس الجمهورية الطيب أردوغان في خطابه الأخير قائلاً "يبدو أنهم لم يفهموا ما هي عملية السلام الداخلي، ولذلك فقد جمدنا عملية السلام هذه حتى ننزع سلاح الانفصاليين. يطالبني البعض بإيقاف صوت الأسلحة والعودة لطاولة الحوار والمفاوضات لنطالب الانفصاليين بترك سلاحهم، ولكني أقول إن تركيا كدولة كبرى وعظيمة لا تستجدي من حفنة من الإرهابيين ترك سلاحهم بل إننا حتماً سنخرس هذه الأسلحة وسيتركونها مرغمين".
تأتي هذه النبرة الحادة وبث روح المواجهة في الوقت الذي تموج فيه البلاد اقتصادياً وسياسياً بحكومة مؤقتة عقب انتخابات جاءت نتائجها على غير ما يرغب حزب العدالة والتنمية، إذ أضحى داوود أوغلو، رئيس الحزب، مضطراً للحوار مع نظرائه في أحزاب المعارضة لتشكيل حكومة ائتلاف وطني. ولكن، وحتى اللحظة الراهنة، يبدو أن الأمور تسير في طريق انتخابات برلمانية مبكرة، فبعد أكثر من 40 ساعة من اللقاءات المشتركة والتي جمعت بين قيادات حزب العدالة والتنمية من جهة وقيادات حزب الشعب الديمقراطي المعارض يبدو أن الطريق مغلق والأفق مسدود أمام حكومة إئتلافية. فقد بدأ التلاسن الإعلامي بين الطرفين واتهم أعضاء من حزب الشعب الجمهوري أردوغان بالوقوف حجر عثرة أمام الوصول إلى اتفاق تشكيل الحكومة الائتلافية. وهو الأمر الذي يعلنه أردوغان بالتصريح لا بالتلميح بأن بلداً كتركيا لم تشهد نجاحات في ظل الحكومات الائتلافية وأن الناخب التركي لابد أن يعيد حساباته ويذهب للصندوق بذهن وعقل ناقد وواع لتداعيات خياراته السابقة التي أوصلت البلاد إلى هذه الحالة من الارتباك السياسي والاقتصادي.
فقد شهد الاقتصاد التركي في الفترة الأخيرة تحديات صعبة، إذ توقفت العديد من العجلات الاقتصادية التركية كالاستثمار الخارجي وحركة التصدير للعديد من الدول، ففي ليبيا، نتيجة للصراعات المسلحة، توقفت العديد من المشاريع العملاقة في البنى التحتية وتطوير الطرق والجسور التي كانت الشركات التركية قد نالت نصيب الأسد من تنفيذها، وكذلك توقفت العديد من المشاريع الضخمة التي كانت تطمح لتنفيذها مع مصر إبان حكم الرئيس مرسي، وتوقفت بشكل كبير حركة الصادرات التركية إلى مناطق النزاع كالعراق وسوريا وليبيا ومصر. كما يبدو أن كيانات وقوى أخرى قد فازت بالرضا الإيراني في مجال التعاون الاقتصادي المشترك إذ يبدو أن المراجع الإيرانية تسعى لعقاب تركيا اقتصادياً وذلك لوقوفها في وجه المشروع الإيراني التوسعي في المنطقة، فإيران الآن مستعدة للتعاون مع كل الأطراف وخطب ود كل الدول إلا تركيا، وهذا ما دفع أردوغان، بالإضافة لقضايا أخرى، للتوجه للصين كسوق ضخم لإبرام اتفاقات اقتصادية تفتح آفاق وبدائل أخرى وتنعش الاقتصاد التركي المتباطئ.
في الوقت ذاته تعلن وكالات الأنباء الإقليمية عن زيارة رسمية مرتقبة لخالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، لتركيا ولقاء يجمعه مع رئيس الجمهورية التركية، الطيب أردوغان. لماذا؟
لأن لكل مقام مقال ولكل حدث حديث، فتركيا وإن ماجت بها الأمواج وتراطمت على شواطئها المحن لا تنسى قضايا الأمة والوقوف مع أهل الحق فيها ودعم المظلومين ونصرتهم، وإن كثرت همومها وإن اشتدت مصاعبها وهذا ما سيجعل منها قوة عظمى تعيد تراثاً ومجداً عتيداً تحتاجه الأمة الآن أكثر من أي وقت مضى ولكن وللأسف خذلان حكام العرب واختلاف أجنداتهم سيؤخر من هذه العودة ولكن لابد للشعوب من كلمة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس