أحمد البرعي - خاص ترك برس
يا سيادة "الزعيم الديكتاتور" لماذا لا ترفع الحصانة عن أعضاء حزب الشعوب الديمقراطي "الجناح السياسي الكردي" لحزب العمال الكردستاني الإرهابي، الحزب الذي نفذ العديد من الهجمات الإرهابية ضد الدولة التركية؟ يا"جناب السلطان" لقد صرح بعض أعضاء هذا الحزب تحت قبة البرلمان التركي بأنه يشد ظهره بالمناضلين والثوار الأحرار في جبال قنديل، يقصد مقاتلي حزب العمال الكردستاني، ويصرح آخر بملئ فيه بأنه يستقوي بالانفصاليين الأكراد وأنهم يد الأكراد الضاربة وركنهم الشديد الذي يؤون إليه ليدافع عن حقوقهم! يا أيها "الزعيم الملهم" لماذا لا تغلق الحزب وتلقي بأعضائه الإرهابيين في غياهب السجون بدافع المحافظة على الأمن القومي التركي؟ لكن رئيس الجمهورية التركية، الطيب رجب أردوغان رفض هذه الدعوات وأبى أن يغلق الحزب. يا ترى لماذا؟
بعد انتخابات السابع من حزيران/ يونيو الماضي، فاز حزب الشعوب الديمقراطي "الكردي" بثمانين مقعدًا من مقاعد البرلمان التركي، أي ما نسبته 13% من مجموع أصوات الناخب التركي، وقد كانت تلك النتيجة بمثابة فوز كاسح، من وجهة نظر الحزب، إذ كانت المرة الأولى في تاريخ الجمهورية التركية التي يدخل فيها حزب كردي ككيان سياسي مستقل البرلمان التركي. وبدأت تكهنات الساسة الأتراك والأكراد باعتبار هذا الفوز بداية جنوج المعسكر الكردي إلى الانصهار في العملية السياسية ونبذ السلاح والاحتكام إلى المنهج السلمي في تحقيق المكاسب السياسية لناخبيهم من الوسط الكردي.
وجاء يوم الإثنين 20 يوليو/ تموز، اليوم الذي حدث فيه الهجوم الارهابي على مدينة سوروج الحدودية مع سوريا، ليكون يومًا مفصليًا، إذ بدأ حزب الشعوب الديمقراطي حملة إعلامية موجهة، أعقبت التفجير الإرهابي مباشرة، تتهم حزب العدالة والتنمية بشكل عام والرئيس التركي الطيب أردوغان بشكل خاص، بالمسئولية المباشرة عن التفجير الإرهابي الذي أودى بحياة 32 مواطنًا تركيًا. وشهدت الأيام التي تلت التفجير سلسلة من الهجمات الإرهابية على مخافر للشرطة واشتباكات مع الجيش واستهداف لمقرات حزب العدالة والتنمية راح ضحيتها العديد من الأبرياء. تبنى حزب العمال الكردستاني هذه الهجمات الإرهابية صراحةً، ما دفع الحكومة للرد بقوة على هذه الهجمات وقتل العديد من منتسبي الحزب الانفصالي في كل من جبال تركيا الشرقية الجنوبية واستهداف تجمعاتهم في جبال قنديل شمال العراق، ما أثار حفيظة الحكومة المركزية في بغداد، ما دفع رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي إلى استنكار الهجوم التركي على الأكراد. إلا أن مسعود البرزاني، رئيس إقليم كردستان العراق، رحب بالضربات وقال إنها رد طبيعي للحكومة التركية على هجمات حزب العمال الانفصالي.
الملفت في القضية أن رئيس حزب الشعوب الديمقراطي، صلاح الدين ديمرطاش، تلاعب بتصريحاته وتعقيباته على الأحداث، فتارة يشجب بمواربة شديدة الهجمات التي تستهدف المنشئات وتحرق الآليات والعربات التي تخدم المواطن الكردي والتركي على حد سواء، دون أن يشير من قريب أو بعيد إلى الجاني، الذي يعلمه جيدًا. وتارة يشن هجومًا على الحكومة وسياساتها ونهجها الذي أدى إلى تدهور الوضع ووصوله إلى ما وصل إليه. ما دفع البعض للتساؤل عن طائفية هذا الحزب وانتمائه العرقي البغيض الذي حاول رئيسه ولوبيات الإعلام اليساري إخفاء حقيقته أثناء حملته الانتخابية. ولكن فجاجة الأحداث وصداها في الشارع التركي، أحرج كل أولئك الذين دعموا وساندوا الحزب في الانتخابات الأخيرة، فمثلاً غرد الصحفي التركي اليساري الشهير، الذي كان أحد أقوى المروجين لصلاح الدين ديمرطاش أثناء حملته الانتخابية، أحمد هاكان، غرد قائلاً "لقد حزنت وحزنت وحزنت من ديمرطاش لعدم شجبه أعمال حزب العمال الكردستاني الإرهابية". كما هاجمت العديد من وسائل الإعلام المقربة من الحكومة التركية المممثلة التركية المشهورة، بران سات، والتي كانت قد جاهرت بإعطاء صوتها لحزب الشعوب الديمقراطي في الانتخابات الأخيرة. وقام الذراع الشبابي لحزب العدالة والتنمية بنشر صور الإعلاميين والفنانين ورجال الأعمال الأتراك الذي دعموا وصوتوا لحزب الشعوب الديمقراطي، وطالبوا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، المجتمع التركي بأن لا ينسوا ولا يغفروا لهذه الوجوه التي خانت تركيا، على حد قولهم.
قف الآن وتخيل معي، لو كان الرئيس "الديكتاتور" كما يطلق عليه اليسار التركي المجحف، تخيل، لو كان قد قبل بداءات البعض باعتبار حزب الشعوب الديمقراطي، حزبًا يدعم الإرهاب والانفصاليين، تخيل لو قام بحل الحزب؟ تخيل لو رفع الحصانة عن أعضاء البرلمان الثمانين، أو على الأقل عن من صرح بتصريحات فجة تؤيد الحزب الانفصالي. بالمناسبة، كان الحزب نفسه قد تقدم بالتماس لرئيس البرلمان التركي برفع الحصانة عن جميع أعضاء الحزب وأبدى استعداد نوابه للمثول أمام أي هيئة قضائية أو دستورية للتحقيق معهم! ولكن ذلك لم يحدث. تخيل ماذا كانت ستكون تداعيات ذلك داخليًا وخارجيًا. وكيف كان الإعلام سيتعامل مع "الديكتاتورية والسلطوية الأردوغانية" في "السلطنة العثمانية" في القرن الواحد والعشرين.
أكاد أجزم أن حزب الشعوب الديمقراطي، بنزاعاته الداخلية أو بمرجعياته المتشتتة، أو بخياراته وحساباته الخاطئة قد خسر الكثير الكثير من تعاطف وإقبال الناخب التركي على برامج الحقوق والحريات والديمقراطية والمساواة التي كان قد طرحها في الانتخابات الأخيرة. وفي الوقت ذاته أثبت الرئيس "الديكتاتور" أن الحريات والديمقراطية لا تتجزأ وأن الدولة التي تحترم ناخبيها ومواطنيها تحترم خياراتهم وإن جاءت على غير ما يرغب، وأن التعامل مع قضايا الدولة يفوق تصور المراقب والحالم الذي لم ينزل معترك الحكم والسياسة والذي يظن أن وصاياه وتصوراته هي حلول المعضلات وضرورات الوقت. إن من أراد أن يؤسس لمجتمع الحريات والديمقراطية في مجتمعاتنا العربية، لابد وأن يعي هذه المعادلة الصعبة، فرغم الظلم والاجحاف الذي وقع على شعوبنا العربية من قبل طغمة من الطغاة والخونة إلا أننا لا يجب أن نغفل أن وراء هذه الطغمة الفاسدة الظالمة شرائح مجتمعية غيبت لا تؤخذ بجريرة هؤلاء الخونة إلا من تلوث بظلم أو دم مثلهم. ففي دولة القانون للقوة والقصاص باب وللسياسة والتأني والتفاهم باب وللإعذار للمغيبين والمضللين باب، ولا بد لرجل الدولة أن يفهم أي الأبواب يطرق ومتى.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس