أحمد البرعي - خاص ترك برس
متى ستعود يا صلاح الدين صداحًا بآيات الجهاد رافعًا راية ذروة سنام الإسلام معليًا صوتك مناديًا "أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير"، "انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون"؟.
أعقمت ربوع أرض الأمجاد والأجداد، أرض الراشدين والموحدين أن تلد معتصمًا يلبي آهات الأرامل وصيحات اليتامى وصرخات ركاب البحار وعربات الموت وبراميل القتل والدمار؟ فالناس أضحت كالأرض الظمأى تتلهف لقطرات مطر الغوث والرحمة، والأطفال يصرخون تحت أنات الألم والعذاب وهم يرقبون دموع أبيهم العاجز المقهور المغلوب على أمره القابض بيديه على ابنه وابنته محاربًا أمواج البحار، هاربًا من وطن أضحى جحيمًا، فارًا لأرض عسى يلقى فيها أمانا ودفئًا عجز أن يلقاه في أرض العرب. يا لها من طفولة يحياها صغار الشام ودوما وحمص وحلب! ويا له من مستقبل شبابه يهربون من رمضاء إلى نار ومن حرب إلى قهر إلى عجز وخذلان.
إلى متى هذا الهوان؟ ألم تحن الساعة ليبدأ بزوغ شمس عزتنا وعودة كرامتنا واسترداد أمجادنا؟ ألا نعلي راية الجهاد وينادي فينا صلاح الدين وقطز أيا خيل الله اركبي ويا أرض الله اشهدي ويا جنود الله ازحفي ويا رياح الجنة هبي.
كتب الياسيني يوماً
أختاه لا تبكي على بغدان *** دمعات عينك مزقت وجداني
سيحرر الوطن السليب من العدا *** بتوحد الإخوان في الأوطان
فواحرقة قلبي فلا الشام شام ولا بغدان بغدان. أنادي أرض الخلافة السليبة قولي لي ما الذي يمنع قوة كقوة تركيا "الإسلامية" من نصرة المستضعفين من جيرانهم وهم يرون انتشار النار في هشيمها وامتداد ألسنة اللهب تقرع نواقيس الخطر يدق مسامع القسطنطينية وأهلها؟ ألم يكف صناع القرار التركي أن يروا صور وزير الداخلية الإيراني على جبال قنديل بين أعضاء حزب العمال الكردستاني؟ ألم تصلهم الرسائل تترى من قوى الشر والظلام في العالم؟ ألا يملكون القوة الرادعة ليرفعوا عن أنفسهم وعن إخوانهم وجيرانهم سطوة الطائفية الصفوية والجهالة الداعشية؟ أليست هذه تركيا أردوغان؟ أليست تركيا نصير المستضعفين وأرض الخلافة الراشدة التي غابت شمسها بأيدي العابثين بها وببلادنا ومقدراتنا؟ ألم تأت ساعة الحسم لتقول تركيا كلمتها في وجه الظلم والدمار الذي لحق بجيرانها؟ ألا تتجاوز تركيا المساعدات الإنسانية وكرم ضيافة الفارين إلى دعم حقيقي ملموس للثائرين على أرض الغوطة ودير الزور وحلب وكل ربوع الشام في وجه الصلف الدولي والبغض الصفوي؟!
ثم إلى متى سيصبر إخوان مصر؟! إلى متى ستبقى السلمية هي الخيار الاستراتيجي الأوحد؟ ماذا بقي كي تثور أرض الكنانة ثورة لا تبقي ولا تذر؟ لم تكتف تلك الطغمة الفاسدة بحرق زهور الربيع العربي وورود الأمل في صعود نجم العدالة والحرية بل انطقلوا بحقدهم ليخنقوا غزة العزة وليتأمروا عليها وليدمروا أنفاق وشرايين بقائها، بل واختطفوا أبناءها وأعلنوا الحرب عليها ومنعوا خروج المرضى منها وحرموا أهلها من استنشاق هواء كنانة العرب الذي لوثته نتانة أنفاسهم ودناءة خصالهم وبذاءة ألسنة زبانيتهم وعفن عمالتهم. ألم يأن لأهل الحق أن تصدع حناجرهم وأيديهم بل وأسلحتهم لتدق معاقل النفاق والخزي والعار الذي جلبه ثلة من المتآمرين والمنبطحين؟
أقول بلى، ولكن وكما قيل وللحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة يدق، ولن تستحق أمة تخاذلت عن نصرة نفسها ومبادئها وارتضت العبودية والخنوع سبيلًا أن ترى نور الديمقراطية والعيش الهنيء، إلا إن صحت من غفوتها ونهضت من كبوتها واستجمعت شتاتها واستحضرت تاريخها وحضارتها وعرفت إمكاناتها وقوتها واستيقنت بوعيها ما يحاك ضدها وعلمت بأن مكر الشرق والغرب "لتزول منه الجبال" وأن ما يحاك لها وما يدار بها عظيم من العظائم وشديد من أعظم الشدائد.
ما كان لثورة أن تقوم على خبث، وما كان لاستئصال ورم الفساد السرطاني والعمالة الرخيصة أن يبقي فلولًا لتعود بعد التئام الجرح تبث سمومها مدمرةً الحرث والنسل ومفتتةً للنسيج المجتمعي مرة أخرى. لن تقوم لثورة قائمة وأصحابها كل منهم يغني على ليلاه. كان لا بد لشعب الكنانة أن يعي حجم المؤامرة ويذوق مر الركوع للتضليل والتجهيل لكي ينهض مرة أخرى منتفضًا من الخبث الذي علق به بفعل حفنة من قيادات عسكره، وليعود ممسكًا بزمام أمره متكاتفًا مع أطياف مجتمعه ومستقطبًا ومستوعبًا لمن غيب منهم وعاملًا لنشر الوعي في معركة الصحوة الحقيقية والفهم السديد لحقيقة الصراع. ولا عليك ستأتي تلك الساعة التي ترى فيها أولئك الذين يستكبرون ويستعلون أذلاء صغراء، ولكن ذلك لن يكون على أشلاء وطن ممزق ومجتمع مشتت بل سيلتئم جرح الكنانة ويعود أهلها بصبر الصابرين وجهاد المرابطين المعتقلين المضطهدين وبجهد المخلصين الجادين العاملين في معركة الوعي لا مستنقع الدماء. وستعود غزتنا تتنفس هواء الكنانة وتشرب من نيلها وترفرف رايات أقصانا في سماء قاهرة المعز كما كانت على مر العصور والأزمان.
أما الشام والعراق، فعاصفتهم قادمة لا محالة عندما تعلم بلاد العرب على ضفاف الخليج أن الشام افتدتهم بدمائها فلولا عزم الشام وأهلها وجهاد العراق وصبرها لكان المجوس اليوم يتعلقون بأستار الكعبة ولغرقت الجزيرة العربية وقبلة المسلمين في هرج ومرج لا يعلم عواقبه ومآلاته إلا الله. لن تصفق يد تركيا وحدها فكما عصف العرب بحزمهم في اليمن لا بد لهم من عاصفة في الشام والعراق وعندها سترى وتسمع ما تصنعه تركيا "الإسلامية"، فيد أردوغان لن تصفق وحدها، فتردد الخليج وتباين آرائه وحساباته المختلفة تؤخر ساعة الحسم ولكنها تقترب بسرعة أخبار المجازر والمآسي وبراميل القتل والدمار. ستقف الشام في وجه الموت كما وقفت دائمًا وستعود بغداد رمحًا في صدر أعداء الأمة كما سجلها التاريخ وستهب مصر والجزيرة وأرض العثمانيين يوم ينادي المنادي من "فلسطين" يا خيل الله اركبي فالأقصى اشتاق لكم.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس