أحمد البرعي - خاص ترك برس
قبل التحقيقات وقبل نتائج التحريات، أعلنت "زمان توداي" أن القاتل هو الطيب أردوغان. وخرجت مسيرة بالمئات في مدينة إسطنبول تحمل اللافتات التي تحمل أردوغان المسئولية عن مقتل أكثر من 97 شخص وإصابة المئات في تفجيرين انتحاريين في محطتي قطار في العاصمة التركية، أنقرة.
استطاع ذلك المراسل المخضرم في صحيفة "زمان توداي" التابعة لجماعة "فتح الله غولن" التي تُتهم بتشكيل الكيان الموازي في الحكومة التركية والتي تتبنى موقفاً عدائياً واضحاً من شخص الطيب أردوغان بشكل خاص ومن الحكومة التركية بشكل عام، استطاع الصحفي الجهبذ الفذ أن يحدد بشكل قاطع، لا يقبل الشك أن الفاعل والقاتل هو شخص رئيس الجمهورية بذاته وباسمه ولقبه!!
كانت ذات الصحيفة قد تطاولت على شخص رئيس الجمهورية قبل أيام، فأصدرت السلطات التركية حكماً باعتقال رئيس تحرير الصحيفة "بولنت كينيس" بتهمة اهانة الرئيس بعد تغريدات له وصفت بـ"الاستفزازية" على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر". وكانت ذات الصحيفة أيضاً قد نشرت على صفحتها على الشبكة العنكبوتية خبراً مفاده أن بلال أردوغان، ابن رئيس الجمهورية، قد هرب من تركيا ولجأ إلى إيطاليا فراراً من قضايا فساد قد تطاله قريباً. وهو الأمر الذي نفاه بلال أردوغان باتصال على إحدى القنوات التركية وأعلن أنه سيقاضي الصحيفة والصحفي الذي نشر الخبر، وأنه عاد إلى إيطاليا لاكمال دراسة الدكتوراة التي كان قد توقف عنها لظروف خاصة.
وكان في وقت سابق رئيس تحرير الصحيفة "أكرم دومانلي" المقرب جداً من زعيم الجماعة قد أعلن استقالته من منصبه، ونيته مغادرة البلاد بحجة الاضطهاد الذي يتعرض له، وعدم قدرته على مواصلة عمله وعطائه في ظل هذه الظروف الديكتاتورية التي تعيشها الحياة الصحفية في الجمهورية التركية!!
وبالعودة لتفجير أنقرة الإرهابي الذي يأتي في وقت حرج تمر به تركيا بشكل خاص والمنطقة بشكل عام، فقد اقترب موعد الانتخابات التركية في الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني وهي الانتخابات الأكثر أهمية، إذ يسعى حزب العدالة والتنمية إلى استعادة الصدارة بأغلبية برلمانية كان قد فقدها في الانتخابات السابقة. وفي الوقت الذي كانت تسير الظروف حتى اللحظات الأخيرة على خير ما يرام وبدا، بحسب العديد من استطلاعات الرأي، أن الناخب التركي مصمم على استعادة الاستقرار الأمني والاقتصادي باعادة الثقة لحزب العدالة والتنمية لتشكيل حكومة بمفرده، تأتي هذه العملية الأفظع في التاريخ التركي الحديث لتخلط الأوراق وتقلب الطاولة وتقوم هذه الصحافة الصفراء باستثمار عمل إرهابي دموي استثماراً سياسياً للنيل من شخص رئيس الجمهورية بافتراءات باطلة ممجوجة.
كانت أحزاب المعارضة الثلاثة قد خفت صوتها وبدا أنها قد فقدت البوصلة والمبادرة في تقديم أي برامج انتخابية أو حلول عملية لقضايا أمنية وسياسية سوى من بعض الانتقادات التي توجهها كعادتها إلى شخص الطيب أردوغان. وجدت هذه الأحزاب فرصة ذهبية عقب هذا التفجير الإرهابي لتشن الهجوم على أردوغان وتتهمه بأنه هو من أوصل البلاد إلى هذه الحالة من الفلتان الأمني، بل ووصل بالبعض أن يتهمه بأنه من ينسق مع "داعش" للقيام بمثل هذه التفجيرات الدموية لتوظيفها سياسياً في الانتخابات القادمة.
اللافت للنظر أن رئيس الجمهورية التركية، الطيب أردوغان، وعلى غير عادته في هذه الظروف، قد أصدر فقط بياناً رئاسياً مكتوباً قدم فيه التعازي لأهالي القتلى، وطالب الشعب التركي بالوقوف صفاً واحداً ضد الإرهاب وإعلاء صوت العقل والحكمة في التعامل مع هذه الظروف. وترك المجال بشكل كامل لرئيس وزرائه أحمد داوود أغلو ليتصدر المشهد فنادى الأخير إلى اجتماع عاجل مع قيادات أحزاب المعارضة الكبرى، والتي للأسف لم يلب طلبه منها سوى "كليجدار أغلو" زعيم حزب الشعب الجمهوري بينما رفض الآخرون الدعوة. كما أنه قد وجه أصابع الاتهام بشكل رئيس إلى تنظيم الدولة "داعش" متهماً إياه بتنفيد هذا الهجوم الدموي وخاصة للتشابه الكبير بين حيثيات تفجير أنقرة والتفجير الذي وقع في مدينة سوروج التركية في 20 يوليو / تموز الماضي وأودى بحياة 33 شخصاً.
يا ترى ما الذي دفع أردوغان للصمت؟ ولماذا لم يخرج بلقاء جماهيري وخطاب ناري كعادته يشجب ويلعن الإرهاب وأهله؟
إن شخصية الطيب أردوغان وكاريزمته القيادية لا تقبل بدور ثانوي غير فاعل ولا أساسي في العمل السياسي التركي وهو ما صرح به شخصياً أكثر من مرة، وقال إنه لن يكون رئيساً اعتياديا للقاءات البروتوكولية، وتوزيع الجوائز، واستقبال الرؤساء والوفود. وهذا ما يفسر نزوله للميادين، إبان انتخابات السابع من يوليو / حزيران الماضي، وعقده اللقاءات الخطابية والجماهيرية التي تحث الناخب التركي على المشاركة الفاعلة، بل ومطالبته بعدد معين من البرلمانيين لتمكينه من تغيير الدستور ونظام الحكم في الجمهورية التركية من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي، وهذا ما دفع زعماء المعارضة وقتئذ إلى اتهامه بالتحيز إلى حزب دون الآخر، وهو ما يخالف نص الدستور التركي الذي يطالب رئيس الجمهورية بالوقوف مسافة واحدة من جميع ألوان الطيف السياسي. ودفعهم أيضاً لاتهامه بالسيطرة والسطوة التامة على حزب العدالة والتنمية وأن داوود أغلو رئيس الحزب ما هو إلا ظل وأداه في يد الزعيم المؤسس الطيب أردوغان.
ولكن الوضع مختلف تماماً هذه المرة إذ تصدر المشهد بشكل كامل "الهوجا" أي الأستاذ داوود أغلو وتراجع، تكتيكياً، المؤسس والزعيم الطيب أردوغان. فترى اللقاءات الخطابية النوعية والمنتقاة لداوود أغلو، بخلاف الانتخابات السابقة إذ قام وقتها بزياة 81 ولاية تركية وعقد فيها جميعاً خطابات جماهرية وهي سابقة لم يقم بها أحد قبله. كما يتصدر داوود أغلو الآن اللقاءات الحوارية والتلفزيونية ويحاول أن ينزع شخصيته من تبعية الطيب أردوغان، ويحاول أن يرسم لنفسه صورة مغايرة، هي صورة البروفيسور والأكاديمي الشعبوي بخلاف شخص الطيب أردوغان الخطيب المفوه والقائد المحفز وصانع النهضة التركية الحديثة.
ولعلها الحنكة السياسية للطيب أردوغان أن يعي أن المعارضة قد وظفت قوته وحضوره وعظيم تأثيره بشكل عكسي على الناخب ما دفعه إلى التعاطي بإيجابية مع مطالبة حزب العدالة والتنمية وداوود أغلو بشكل خاص وإقلاله من الظهور الإعلامي والجماهيري بشكل مرحلي خدمة لأهداف الحزب الانتخابية وطبيعة المرحلة الحرجة. فهل ينجح أردوغان في المضي بهذا التكتيك أم أن الأيام القليلة التي تسبق الانتخابات القادمة ستكون حبلى بالمفاجئات وخاصة مع تتالي الأنباء عن عمليات قتل واشتباكات وتصاعد للعنف في مناطق الجنوب التركي وخاصة مع تربص الأعداء وما أكثرهم بتركيا وطيبها؟!
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس