كمال أوزتورك - صحيفة يني شفق - ترجمة وتحرير ترك برس
في اليوم الذي قامت فيه تركيا بتشكيل الحكومة الجديدة، أسقطت فيه أيضا طائرة روسية، لتبقى الأحداث السياسية ساخنة، ولا نستطيع سوى الكتابة عما يجري من تطورات.
ذهبت في طفولتي إلى إحدى مطاحن القمح، كان حجر الرحى الضخم يعمل بقوة ضغط الماء، حيث يتم وضع القمح بين الحجرين الضخمين، وتحرك قوة ضغط الماء الحجر الأكبر الأعلى ليطحن القمح ويتحول إلى طحين، وكانت هذه المرة الأولى التي أشاهد فيها إنتاج الطحين من القمح، وقد سألت يومها فيما إذا لم يتواجد القمح بين الحجرين، ما الذي سيحصل؟ أجاب العامل هناك بأنّ الحجرين سيدمران بعضهما البعض، ويتسببان بإتلافهما، ويحرص كل الحرص أنْ لا يحصل هذا.
وقد شبهت ما يجري في الشرق الأوسط بحجر الرحى، حيث لا توجد حبة قمح بين حجري الدول الإسلامية، وبالتالي لن يكون هناك طحين ناتج من عملية الطحن، بينما يكتفي الغرب والشرق بمشاهدة خراب حجارة هذه البلدان التي تتصارع فيما بينها، لأنّ الفائز في النهاية هم أولئك، وستبقى طواحينهم هي التي تنتج الطحين.
ازدادت عناصر الخطر المحدقة بنا بعد إسقاطنا للطائرة الروسية، وقد كانت تصريحات بوتين التصعيدية، وإلغاء زيارة وزير خارجيته إلى تركيا تحمل إشارات هذا التصعيد، ولا شك أنّ الولايات المتحدة الأمريكية سعيدة بهذه التطورات، لأنها ترى بأنّ الشرق الأوسط مستنقع جيد لإغراق روسيا فيه، وستبقى أمريكا وحلف الناتو مجرد متفرجين على حجري روسيا وتركيا وهما يطحنان بعضهما البعض، ولهذا علينا أنْ لا ننتظر شيئا منهما، وعلينا تخليص أنفسنا وحماية أنفسنا بأنفسنا.
قامت القوات المسلحة التركية بإسقاط الطائرة الروسية بعد تأكدها من أنها اخترقت أجوائها وقامت بتحذيرها عدة مرات ولكنها لم تستجب، ولم يكن بمقدور القوات التركية إسقاط الطائرة الروسية دون أنْ تكون قد اخترقت الأجواء التركية، وفي نفس الوقت الدولة التركية تريد إثبات أنها دولة لها كيانها ولها حدودها، واختراق أجوائها يعني فورا إسقاط الطائرة المخترقة مهما كانت جنسيتها.
دخلت روسيا في سوريا أصلا من أجل إعادة هيبتها في المنطقة، بعدما فقدتها من خلال مستنقع أوكرانيا، وانخفاض أسعار النفط الذي أثر بصورة قوية على اقتصادها، وزادت عملية إسقاط الطائرة الروسية من حجم الأذية التي تعرضت لها هيبة روسيا في العالم، ولهذا قرر بوتين التصعيد، وسيكون هناك ردود فعل تجاه هذا الحادث في محاولة لاستعادة قليل من الهيبة الروسية، ولذلك علينا أنْ نقف بكل قوة في وجه هذه الاحتمالات.
تركيا القوية تقودها حكومة جديدة برؤية جديدة
في اليوم الذي تم إسقاط الطائرة الروسية فيه، قام اردوغان بالمصادقة على تشكيلة الحكومة التركية الجديدة، التي يترأسها أحمد داود أوغلو، ولهذا دلائل عديدة، منها ما يريد اردوغان ايصاله إلى وزراء هذه الحكومة، بأنها الحكومة التي ستقود تركيا الجديدة، تركيا القوية، ولذلك عليها زيادة قوة الاقتصاد أكثر، وزيادة قوة وهيبة الجيش التركي، وامتلاك التكنولوجيا اللازمة، وكذلك تطوير قدرات جهاز الاستخبارات كي يستطيع قراءة ومعرفة كل شيء، وحينها لن يجرؤ أحد على المساس بالدولة التركية، وإسقاط الطائرة الروسية كان مجرد رسالة حول هوية تركيا الجديدة.
وقد أكد داود أوغلو على رؤية حكومته الجديدة، التي تسعى إلى بناء تركيا قوية، تكون مثالا يحتذى به في العالم، وهو يدرك حجم الآمال الملقاة على عاتقه، من قبل الشعب التركي، وكل المظلومين في أنحاء العالم.
نحن نعيش في شرق أوسط ملتهب، لا مجال فيه للخطأ، ولذلك علينا أنْ نكون بمثابة "الإطفائية" التي تسعى إلى إخماد الحرائق من حولها دون أنْ يصيبها أي أذى من هذه الحرائق، وعلينا التصرف بصورة حذرة أكثر من أي وقت مضى، وخصوصا فيما يتعلق في الأزمة مع روسيا، لأنّ أمريكا والاتحاد الأوروبي لن يحركا ساكنا، وسيكونان سعيدان لالتهاب العلاقات بين روسيا وتركيا.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس