ندرت أرسنال - صحيفة يني شفق - ترجمة وتحرير ترك برس
لعل من المعروف لدى الجميع وقوف كلا من موسكو وطهران خلف ردة الفعل القوية التي أظهرتها الحكومة العراقية تجاه التواجد العسكري التركي في شمال العراق. وإلا لم يكن يخطر ببال الحكومة العراقية لانشغالها بتنظيم مسابقات الجمال أن تتحامل علي حكومة أنقرة وهي التي تهتز عاصمتها بالعديد من الإنفجارات يوميًا ولا يعني لديها شمال العراق أو جنوبه أي شيء... والغريب في الأمر أن الولايات المتحدة الأمريكية طلبت راجية من تركيا أن تقوم بسحب قواتها لمكان آخر من أجل امتصاص غضب الرأي العام العراقي، وينبغي أن يوضع في الحسبان هنا أن سبب دعوة الرئيس الأمريكي أوباما تركيا لسحب قواتها يأتي من منطلق اقتراب موعد الانتخابات في إيران حيث من المقرر أن تجري في شباط/ فبراير القادم.
النشاط النووي/ الإشعاعي لطهران
وتشير التوقعات إلى أن المصالحة التي تنوي الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية إجراءها مع إيران بخصوص برنماجها النووي ستتم مع بدايات فصل الربيع وذلك علي أفضل احتمال. وهذا هو الزمن المتوقع أن يبدأ فيه ضخ الاستثمارات الاقتصادية لإيران. غير أننا نرى اليوم محاولة كل من الولايات المتحدة وإيران الدؤوبة من أجل تقديم الموعد الزمني لذلك.
لدرجة أن المدير العام لوكالة الطاقة الذرية الدولية يوكيا آمانو قد صرح بقوله "أن طهران تخطو خطوات حثيثة وسريعة في هذا الصدد". بمعني أن من كانوا يطلقون التصريحات النارية في الداخل والخارج ضد الولايات المتحدة الأمريكية والتي أطلقوا عليها "الشيطان الأعظم" هم من يقومون بتلبية قائمة مطالب واشنطن واحدة تلو الأخري وبوتيرة سريعة وسعيٍ حثيث. ويحاولون نفض مخلفات نشاطاتهم الإشعاعية من عليهم بالتعاون مع الولايات المتحدة الإمريكية.
حسنا، ولكن ما السبب وراء أستعجال كلا الطرفين لهذا الأمر؟ ينبغي أولًا أن تثبت رغبة أو أستعجال الولايات المتحدة الأمريكية لهذا الأمر. ففي السادس عشر من الشهر الجاري قدمت وزير الخارجية الأمريكية جون كيري بطلب للجنة العلاقات الخارجية بالكونجرس الأمريكي بخصوص "إيفاء إيران بالتزاماتها بشكل يمكن تصويبه وكذا إعطاء الضوء الأخضر لتعليق العقوبات الاقتصادية والعسكرية المفروضة علي إيران". أي أن الأمر يعد منتهيًا بالنسبة للحكومة الإمريكية ومن ثم يُطلب أن يتم الانتهاء من المواد الأساسية لهذا الأمر بحلول شهر كانون الثاني/ يناير حتي تتخلص إيران من العقوبات الإقتصادية والعسكرية التي تفرضها عليها الدول الغربية.
ولعل أهمية أن يتم الأنتهاء من هذا الأمر بقدوم شهر يناير/ كانون الأول تنبع من الأهمية الحرجة للانتخابات التي ستجري في إيران في شباط المقبل والتي توليها إيران والمنطقة وإسرائيل وإدارة الرئيس الإمريكي أهمية خاصة؛ ومن ثم كان علي البيت الأبيض أن يبعث برسالة ذات تأثير إيجابي في اختيار الشعب الإيراني للكتلة المدعومة من جانبها لكسب هذه الانتخابات تتمثل في رفع العقوبات الاقتصادية والعسكرية المفروضة علي الدولة.
بينما تنتهي أسطورة التفوق العسكري لدولة إسرائيل
ولعل الطرف الآخر لهذا الأمر يتمثل في مخاوف تل أبيب من تنامي دور إيران الإقليمي في المنطقة. ولعل ذلك يظهر جليًا في تكالب اللوبي الإسرائيلي ومحاولة عرقلته لرفع العقوبات المفروضة علي إيران بل ومحاولة تمريره عقوبات جديدة من خلال الكونجرس إلي غير ذلك من المحاولات التي لا يتسع المجال لسردها. إلا أن إسرائيل لن تنجح في سعيها هذا. فالإدارة الإمريكية وخاصة الرئيس أوباما وهو العامل المؤثر في السياسة الخارجية والحلفاء الأوربيون كإنجلترا وألمانيا والدول الصديقة لإيران لا ترغب في أن تتم إعاقة رفع العقوبات أو فرض أية عقوبات جديدة عليها. ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن توقع روسيا أو الصين علي أية قرارات مناهضة لإيران في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. {بل أن وكالات الأنباء قد أعلنت أثناء كتابتي لهذة السطور عن عزم روسيا لإنشاء محطتين نوويتين بإيران مطلع الأسبوع المقبل}.
فالعلاقات الروسية الإيرانية أو بشكل أدق الروابط الروسية الإيرانية اتخذت بمرور الوقت شكلًا خاصًا وذلك ضد بعض التحالفات الموجودة في الشام. وهذة العلاقية ومثيلاتها تعد علي أقتراب مرحلة تنتهي فيها أسطورة التفوق العسكري لدولة إسرائيل. بل أن إيران بعد أن يتم رفع العقوبات المفروضة عليها ستخصص موزانات مالية أكبر لسياساتها الأقليمية وبرنامجها العسكري.
ولعل فوز الكتل المعتدلة في الانتخابات الإيرانية المقبلة في إيران يحمل أهمية قصوى لوشنطن وإدارة أوباما. وسيعني رفع العقوبات المفروضة علي إيران تقبل الشعب الإيراني للسياسات التي تنتهجها حكومة الرئيس الإيراني حسن روحاني على أنها سياسات ناجحة. وسيساعد هذا على تمخض هذه الانتخابات في إيران عن سلطة معتدلة – ليست ديمقراطية من الدرجة الأولى- ولكنها السلطة المأمولة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية. وسيوفر ذلك أيضًا لهذة السلطة التحرك بأريحية ضد معارضيها السياسيين.
ولعل هذا ما يبرر اتصال الرئيس الأمريكي بحكومة أنقرة بخصوص مسألة سحب القوات التركية من الموصل وكذا محاولة تركيا وإسرائيل فتح صفحة جديدة في العلاقت بينهما.
والخلاصة أنه لا يمكن أن تغفل إسرائيل ودول المنطقة بأكملها وضع إيران الإقليمي الجديد بالمنطقة والتوزانات الإقليمية التي تنتج عنه. إلا أن ذلك لا يعني حتمية تعايش هذة الدول مع هذة التوازنات الجديدة بالمنطقة. فالأمر كما سبق وكتبنا قبل ذلك سيتبلور وفقًا للنتائج التي ستتمخض عنها ثلاثة انتخابات، أولها انتخابات الأول من تشرين الثاني التي جرت في تركيا، وثانيها الانتخابات التي ستجري في لإيران أواخر شباط القادم وثالثها الإنتخابات الرئاسية الأمريكية في أواخر 2016؛ والتي ستوضع طبقًا لها كافة التوازانات الإقليمية في حلقاتها.
وختامًا فإنه ينبغي علي تركيا أن تظهر مهارة دبلوماسية في علاقاتها السياسية بالمنطقة طبقا ً للتطورات التي ستحدث حتي ذلك الوقت. لأن هذه المعطيات إن كانت دليلًا على ظهور إيران كقوة إقليمية خارقة بالمنطقة فإن عدد الدول التي لن تقبل ذلك أكثر من دولتي إسرائيل وتركيا. بل أن هاتين الدولتين من الممكن أن تفسد كافة الخطط الإقليمية لهذة القوة الخارقة الصاعدة أيا ما كانت قوتها حقيقية أو مصطنعة.
ولا نظن أن هذا الكلام ببعيد عن الإدارة الإمريكية. فواشنطن هي التي تشكل الجسر بين تركيا وإسرائيل. والأمر المهم هنا ماهية الخطط التي تهدف هذة الوساطة أن تخدمها في منطقة الشرق الأوسط وكذا ماهية الضمانات التي ستقدمها...
وهكذا قد أبلغنا... وعليهم أن يقرؤا ويفهموا رسالتنا...
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس