هشام سراي - خاص ترك برس

في 9 أيار/ مايو من العام المنقضي كتب الأستاذ جمال خاشقجي مقالا في جريدة الحياة بعنوان "لنواجه إيران و«داعش» بأدواتهما نفسها"، وعرض الكاتب في هذا النص فكرة ذهبية مفادها يتلخص في بيت لأبي نواس لا يزيد ولا ينقص "دع عنك لومي فإن اللوم إغراء وداوني بالتي كانت هي الداء، فما حدث أصبح اليوم من الماضي ولا يمكن إصلاحه وما ضاع يمكننا العمل على استرداده، في هذه المرحلة الفارقة ليس هناك الكثير من الوقت للحساب والتلاوم وصب الزيت على النار، على الجميع أن يستوعب المرحلة التي تعيشها الأمة ويحفظوا الدروس التي قدمت لهم سواءا من إيران أو من الغرب أو من الذين يملكون القدرة على التلون والاصطفاف المخزي، دعنا نفصل في قضية هامة ومحورية وخاصة إلى الحكومات العربية والإسلامية وخاصة المملكة العربية السعودية وتركيا، أنتم تقيمون علاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا من أيام الملك عبد العزيز مؤسس المملكة العربية السعودية الحديثة، وهي العلاقات التاريخية والاستراتيجية بين البلدين أو كما تتسم التصريحات الرسمية والوقائع وهو أمر جيد، ولا يمكن لدولة رائدة كالسعودية إلا أن تحظى بهذه المكانة ولكنكم تنسون مبدءً هامًا في السياسة التي تحكم العلاقات العامة وهي "المصلحة و اقتناص الفرص" وكما يصفها مصطفى صادق الرافعي "فإذا كانت المصلحة في السياسة هي المبدأ، فمعنى ذلك أن عدم المبدأ هو في ذاته مصلحةُ السياسة، فالمنطلق الأسمى الذي يحكم علاقات الدول والحكومات هي مصالحهم القومية وعلى أساسها تتشكل الهوامش كالقيم الإنسانية والإخلاقيات وغيرها، والمتصفح لتاريخ العلاقات الأمريكية بغيرها من الدول سيجد أنها لا تأتمر ولا تخضع إلا لما تمليه عليها أهدافها ومشاريعها في المنطقة، في إيران نفسها كان الشاه صاحب حظوة ومكانة خاصة لدى القادة والساسة في الولايات المتحدة، بل يمكننا أن نقول إن ميزانية الجمهورية الإيرانية يومها تصرف في أغلبها على الأسلحة الأمريكية وأبرم الشاه ما يزيد عن التسعمئة  معاهدة وصفقات ضخمة ولكن عندما حلت ساعة الصفر رمي في سلة المهملات، والنماذج كثيرة، اليوم بدا وكأن باراك أوباما أكثر تقاربا وانسجاما مع المشروع الإيراني في المنطقة  الذي يسعى لخلق فوضى عارمة تبدأ من سوريا وتمتد، وهو الأمر الذي يتضارب مع مصالح دول إقليمية كبرى من المفترض أن تراعي أمريكا مصالحهما وهما السعودية وتركيا، بصورة ساخرة هناك صبي أهوج  في الحي وبائع كبريت ومجموعة لإطفاء الحرائق، الصبي مولع بإحراق ممتلكات الجيران والبائع منتشي بما يكسبه من دراهم ومجموعة الإطفاء أنهكها التعب وهي تطفئ الحراائق المتتالية.

المصلحة القومية لأمريكا تقتضي ديمومة هذه الفوضى، موسم زاهر لبيع الأسلحة، كل الأعداء والمتطرفين يحترقون في سوريا، دول عربية في طريقها إلى التفتيت وبالمقابل لم يخسر أوباما جنديا واحدا ولا فلسا في خضم هذه الصراعات، أليس حريا بالشعب تكريم بارك أوباما لهذه العبقرية الفذة، أما بالعودة إلى إيران فيبدوا أن الشعار الذي رفعته منذ ثورتها البائسة لن يصمد كثيرا أمام رسائل الحب والشوق المتبادلة بين جواد ظريف وجون كيري، الإفراج عن الأرصدة المالية والتي تقدر بـ120 مليار دولار ضربة موجعة للقوى الإقليمية السنية التي تتصدى للعبث الإيراني "تركيا، السعودية" فهذا سيزيد من ميليشياتها ومرتزقتها وعملائها في الدول التي تتغلغل فيها، إيران الإسلامية الثائرة ضد الإمبريالية الأمريكية لم تعد كذلك فهي اليوم حمل وديع وعلاقاتها تتوطد بالغرب يوما بعد يوم  ومن منطلق ملئ الفراغ أليس حريا بتركيا والمملكة العربية السعودية أن تجرب التقليد والسير على نفس النهج الإيراني، أليست عربستان أرض عربية مغتصبة ما الذي يمنع من تدويل هذه القضية وإخراجها للعلن وتبنيها إعلاميا وسياسيا وقانونيا وفي مرحلة لاحقة عسكريا من طرف المملكة العربية السعودية خاصة إذا علمنا أن الأحواز تعاني من اضطهاد نظام الملالي والتمييز العرقي ضدهم بل أن هناك من الأحزاب والتنظيمات التي بدأت نضالها في وقت مبكر وهي في أمس الحاجة لمن يدعمها، البنية الديمغرافية لإيران ذات طابع مركب بحيث يشكل العرب 3% والبلوش والتركمان 2%  والأكراد 7% ولكل هذه الأقليات طموحات انفضالية أعلاها الاستقلال التام وأقلها الحكم الفدرالي.

تعزيز العلاقات بين أنقرة والرياض يمثل فوبيا بالنسبة لطهران خاصة أن التطور الملحوظ في التنسيق بين الطرفين انعكس على مسار المعارك في سوريا في الفترة السابقة وأدت إلى انتصارات ساحقة وتحرير المزيد من الأراضي، الرد القوي الذي أقدمت عليه الرياض وطردها للسفير الإيراني جاء بعد أسبوع من زيارة رجب طيب أردوغان إلى الرياض وربما قدم تطمينات للملك سلمان بالوقوف إلى جنب السعودية في جميع الحالات، صحيح أن الخارجية التركية اتسم رد فعلها بالإتزان والحياد ولكن خطاب أردوغان المعادي لتصرفات إيران أظهر الوجه الحقيقي للعلاقات التركية السعودية، لا بد للعلاقات أن تستمر على هذا النحو وتستعرض أيضا بعدها العسكري، الإيرانيون يمتعضون من هذا التحالف لأنه يمثل عقدة تاريخية بالنسبة لهم.

أخيرا هل لدى الرياض وأنقرة المقدرة على تعويض طهران في دعم حركة المقاومة الإسلامية في غزة؟ أو بعبارة أصح هل هناك اقتناع لدى القيادتين بأهمية دعم المقاومة الفلسطينية ببعديها السياسي والعسكري، الكثير من الأشياء نقوم بها في السياسة ليس اقتناعا ولكن لترويج قناعات أو تصويب مسار سياسي معين، الكثير من الناس يعتقدون ان الصراع مع طهران هو عسكري واقتصادي ولكنه في العمق صراع فكري دعائي محموم. هذا الملف بالذات قدم لإيران والنظام السوري الكثير من المصداقية والنصوع لدى الشعوب العربية، أليس حريا بتركيا والسعودية أخذ المكان الصحيح في تبني القضية الفلسطينية ومنع الدخلاء والمبتزين بملأ هذا الفراغ لا مجال للتأخر مرة أخرى على الجميع ان يلزموا الأماكن المناسبة في هذا الصراع.

عن الكاتب

هشام سراي

كاتب جزائري


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس