هشام سراي - خاص ترك برس
ربما يفوت الكثير من القراء و العارفين بالشأن التركي أن رئيس تركيا ورئيس وزرائها السابق السيد رجب طيب أردوغان كان في صغره بائعا للحلوى والخبز محاولا بذلك إعالة أسرته الفقيرة وشراء كتبه المدرسية، هذا الجزء القاسي من حياة الرجل ساهم في تكوين شخصيته الأبوية التي نجح من خلالها في احتواء تركيا. كل تركيا وجعلها أمة واحدة كالبنيان المرصوص، ربما تمثل مسيرة الرئيس التركي عقدة عاصفة في نظر الكثير من أقرانه في الوطن العربي ففي حين ناظل وكافح وسجن وتدرج في المناصب حتى وصل الى رئاس الوزراء في عام 2003 ، ورث آخرون أعلى هرم السلطة من سابقيهم كما يرث الفتى من أبيه العير و البعير، في 10 تموز/ يوليو 2010 كان حافظ الأسد قد فارق الحياة أو كما أعلن على التلفزيون السوري والوريث المحتمل يومها كان ابنه بشار الأسد خريج الجامعة البريطانية قد بلغ 34 و عشرة أشهر، رقي فجأة إلى رتبة الفريق وعقدت جلسة طارئة وسريعة لمجلس الشعب وعدل الدستور الذي ينص على حتمية بلوغ المرشح لرئاسة الجمهوري 40 سنة بما يتوافق مع الوارث الجديد للدولة وممتلكاتها، الحقيقة الراسخة أن بشار الأسد لا يملك تاريخا سياسيا ولم يكن يعرفه أحد في سوريا إلا أن توفي باسل أخوه ورغم ذلك صفق له الجميع ورأوا فيه المخلص من عذاباتهم، ولكنه نسف سوريا نسفا وحولها الى حلبة للصراعات الدولية، والنماذج كثيرة في عالمنا العربي التي تصف الإفلاس في التجاربة السياسية فأغلب الذين تحكموا في رقابنا لم يكن لهم فرصة الإحساس بمعاناة شعوبهم فقد عاشوا يتنقلون بين السرايا والقصور ودرسوا في جامعات فارهة في الدول الغربية وورثوا تركة اعتقدوا دائما أنها ملك لهم دون غيرهم.
وتصح المقولة الشهيرة "الظروف القاسية تصنع الرجال" فرجب طيب أردوغان الشاب صاحب التوجه المحافظ والعمق الإسلامي عاش هذه المرحلة في ظل نظام عسكري وسادية علمانية وموروث متراكم من الأحقاد والكراهية للدين ورغم ذلك كان الحلم طريقا للأمل والعمل، بدأ النضال السياسي مع حزب السلامة الوطني بقياد نجم الدين أربكان ولكن انقلاب 1980، في سنة 1985 ترأس شعبة إسطنبول في حزب الرفاه الذي ناضل في صفوفه، ولعل هذه المرحلة كانت مفصلية في حياة تركيا ومسيرة النجاح التي حققها التيار الإسلامي، ويذكر مؤلفا كتاب رجب طيب أردوغان .قصة زعيم، أن حزب الرفاه نظر إليه لدى عامة الناخبين أنه حزب صغير مقامر لن يستطيع تحقيق الكثير، ما عدا فئة قليلة من المنافسين السياسيين الذين مارسوا ضغوطا كبيرة لسحب ترشح رجب طيب أردوغان من انتخابات بلدية إسطنبول معتبرين إياه خطرا داهما يجب تجنبه، ووصل الأمر بهؤلاء إلى تفجير مقرات حزب الرفاه وتهديد أردوغان شخصيا بالقتل والفناء، لقد كانت تركيا في هذه المرحلة بأشبه بالغابة حيث القانون ملغى والسيطرة والتحكم لمن يملك المال والنفوذ، كل شيء ممكن الحدوث لهذا كان لا بد من أخذ الحيطة كاملة، يضيف الكاتبان: إن أردوغان كان نجما بازغا وقائدا لا يشق له غبار فهم مأساة شعبه مبكرا، واتخذ من الحوار الشعبي سبيلا لكسب قاعدة شعبية وعلاقة متينة بالناخبين لقد فهم كل منافسيه أنه قادر على أخذ تركيا إلى بر الأمان، وقد كان فاز بائع الخبز الصغير بكل الاستحقاقات التي خاضها.
سجن رجب طيب أردوغان أيضا لأنه تلا شعرا يفتخر به بدينه الإسلامي فهو يعرف ما تعنيه السجون والزنازين وهو أقدر الناس على صون حرية التعبير، لا بد أن السير إلى النجاح يقتضي دفع فاتورة باهضة فبقدر النضالات تكن الإنجازات ولست أجد في من يحكموننا من استحق السلطان والمجد في قومه كما استحقها هذا الشاب التركي بائع الخبز و الحلوى ذات يوم.
تعلمنا في عالمنا العربي أن الأنظمة هي التي تصنع الرجال والسياسيين ولكن الحقيقة التي نتعلمها من مسيرة الرئيس التركي أن الرجال هم الذين يصنعون كل شيء.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس