ترك برس

أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية، في السابع عشر من الشهر الجاري، أنه تم توقيع مسودة الاتفاق الأخيرة بينها وبين إيران، ليبدأ بذلك عصر جديد في العلاقات الأمريكية الإيرانية، عصر تخيم عليه العلاقات الجيدة والودية على ما يبدو.

هذا وأحدثت الاتفاقية التي توصل إليها الطرفان حالة من الاحتفالات الهائلة والضخمة في العاصمة الإيرانية طهران، تُستبشر بالفائدة الطائلة التي ستعود على إيران بعد رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على صادراتها.

هذا ووُصف الاتفاق عبر وسائل الإعلام الإيرانية بأنه انتصار تاريخي. وفي الوقت الذي تحتفل إيران بانتصارها التاريخي، يُرهق الكثير من الباحثين أنفسهم لبحث التغيرات المُمكن حدوثها في موازين القوة الخاصة بالمنطقة عقب رفع العقوبات عن إيران، لا سيما في ظل التمدد الجغرافي السياسي الذي أحدثته إيران بشكل سافر في عدد كبير من بلدان المنطقة على رأسها العراق وسوريا واليمن ولبنان.

ووفقًا لتقديرات الخبير الاستراتيجي "أونال أوزجافيك" الذي يتطرق إلى التغيرات الجارية في المنطقة من خلال دراسة أكاديمية بعنوان "إيران وموازين القوة لعام 2016"، نُشرت في صحيفة "راديكال"، بتاريخ 18 كانون الثاني/ يناير 2016، فإن حدوث تغيرات جذرية في موازين القوة الخاصة بمنطقة الشرق الأوسط، عشية دخول إيران البوابة السياسية والاقتصادية العالمية مرحبٌ به للتعامل معها في جميع المجالات وعلى رأسها مجال الطاقة، ولكن على صعيد آخر، لا يمكن إغفال أن الترحيب الحار بإيران سيؤثر سلبًا على مصالح الدولتين الأكبر في المنطقة "تركيا والسعودية" اللتان تختلفان فيما بينهما بشكل جزئي ولكنهما تختلفان بشكل جذري مع إيران.

يُشير أوزجافيك إلى أن إيران كانت قادرة على إحداث العديد من التغييرات السياسية والاستراتيجية في المنطقة وهي تحت وطأة العقوبات السياسية والاقتصادية الصارمة، فكيف الآن بعد أن تحررت من سلاسل هذه العقوبات وأصبحت حرة وأحد عناصر السوق العالمية المُرحب بها؟ تفيد الإجابة على هذا السؤال بالطبع بأن إيران بعد رفع العقوبات الاقتصادية عنها، ستصبح دولة قوية اقتصاديًا وبالتالي قوة سياسية اجتماعية ثقافية قادرة على التدخل بشكل أوسع في المنطقة وعلى صعيد أشمل.

ويُؤكد أوزجافيك أن إحداث إيران تغييرًا حاسمًا في موازين القوة على صعيد إقليمي وعلى مستوى عالمي أيضًا يُعزى إلى حجم الصادرات النفطية الضخمة الذي ستنزل بها إلى السوق بشكل قانوني وبالاعتماد على النظام المالي العالمي، إذ يُتوقع أن تصدر إيران يوميًا مليون برميل من النفط بمعنى أنها ستزيد حجم صادراتها النفطية بمقدار 150 ألف برميل، فضلًا عن الكميات الضخمة من الغاز الطبيعي، وهذا ما ظهرت نتيجته الوخيمة الواضحة على سعر برميل النفط الواحد، إذ انخفض سعر برميل النفط إلى ما دون الثلاثين دولار لأول مرة منذ عشرين عامًا، ويُتوقع أن يستمر سعر البرميل في التدني، وهذا ما يُنذر بالمزيد من الخسائر للدول المصدرة للنفط وعلى رأسها المملكة العربية السعودية التي عانت العام الماضي

"2015" من عجز بقيمة 86 مليار دولار في ميزانيتها العامة، ويأتي هذا في ظل مجرد الحديث عن احتمالية نزول إيران بهذا إلى الحجم إلى السوق العالمية، فكيف إن نزلت إيران بالفعل إلى السوق بهذا الحجم أو بأكثر من ذلك؟

وعلى صعيد موازين القوة بين تركيا وإيران، يكشف مركز "إيكونومي تي هي" التركي، في تقريره "آثار الانفتاح الإيراني على تركيا"، أنه على صعيد اقتصادي ستنعم تركيا بفائدة انخفاض أسعار النفط والغاز وهذا سيكون له آثار جيدة على الاقتصاد التركي على الصعيدين الحكومي والفردي، وعلى صعيد التجارة المتبادلة بين الطرفين يُتوقع أن يصل حجم التجارة المتبادلة بين الطرفين إلى 30 مليار دولار خلال عامين كما أن تركيا ستُصبح ممرًا مهمًا وحيويًا لإمدادات النفط والغاز بين إيران وأوروبا.

أما على الصعيد السياسي، فقد أشارت الخبيرة في شؤون الشرق الأوسط الأكاديمية الدكتورة "كوسكا توغجا"، خلال لقائها الصحفي مع صحيفة "صباح" التركية، إلى أنه على الصعيد الاقتصادي سيكون هناك عدة فوائد تنالها تركيا، ولكن على الصعيد السياسي سيكون هناك عدد من العواقب الخاصة بخطط تركيا تجاه منطقة الشرق الأوسط، إذ ستصبح إيران أكثر قوة على الصعيد الاقتصادي والدبلوماسي وبالتالي ستصبح أكثر قدرة على التحرك تجاه تنفيذ خططها في منطقة الشرق الأوسط، كما أن التغاضي الغربي عن خططها واتفاقها الأخير معها سيزيد من جرأتها على تنفيذ خططها في منطقة الشرق بشكل أوسع.

وترى الباحثة أنه لا طريق أمام قوى المنطقة إلا الاتحاد السياسي والاقتصادي والثقافي لصد مأرب إيران الخاصة بالمنطقة، لا سبيل لدول المنطقة إلا هذا السبيل لأن إيران دولة ذات إصرار على التوسع السياسي والاقتصادي والثقافي، لذا يتوجب على دول المنطقة الحذر منها واتخاذ الإجراءات الاحتياطية لصدها وإحداث توازن قوي ضدها.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!