أحمد الشاذلي - خاص ترك برس

بين عشية وضحاها تفاجأ العالم بالقرار الروسي المفاجىء والذى يقضى بالانسحاب شبه التدريجى للقوات الروسية والتى تتخذ من اللاذقية نقطة انطلاق فى قصفها الدائم للشعب السوري، قرار جعل الكثير من الأسئلة والشكوك تثار حوله وبسبب التحفظ الروسي فى التصريحات وعدم إعطاء معلومات كافية من الجانب الروسي حول أسباب هذا القرار المفاجىء والتكتم الشديد على السبب الذى حمل موسكو على ذلك مما يجعلنا أمام شح نسبي في المعلومات والذي لا بد أن نتغلب عليه بطرح مزيد من الاستفسارات والسؤالات حتى نستطيع معرفة المقدمات لكي نتوصل إلى نتائج، أولا الأمر لا يتعدى أن يكون مجرد لعبة سياسية لا علاقة لها بالشعب السوري ولا بإنهاء معانته وجراحه كما سارع البعض لقول ذلك، لكن أي لعبة يريدها الروس من ذلك، وهم يدركون جيدا أن سوريا آخر معاقلهم الميدانية فى الشرق الأوسط وأن سقوط بشار بالنسبة لهم هي عملية مغامرة لا يعرف أحد نتائجها، لكن المسلم به أنه لن يكون لهم مكان على المتوسط بفقدانهم لآخر معاقلهم فى طرطوس على الساحل  السوري، وأن النظام مع إيران وباقي الذيول هما العامل الرئيسي في توجيه أي سياسة لروسيا تجاه المنطقة، وخاصة أن من جلبها لم يطلب منها المغادرة، وهل من المعقول أن يطلب النظام السوري منها الخروج وهي تساعده ليل نهار برا وبحرا وجوا فى قتل الشعب السوري والإجهاز على ما تبقى من مقدرات لهذه البلد! وهل أحيطت دمشق علما بالقرار قبل مدة كافية؟ أم هي تكتيكات لشيء ما سيحدث فى المستقبل القريب جدا؟ وهل روسيا التي تتجه منذ مدة حول الثنائية القطبية مع أمريكا يمكن أن تتخلى ببساطة عن حلم استعادة الدولة السوفيتية؟ هل لها أن تتخذ قرارا هكذا دونما تروٍّ ودراسة ومعرفة تامة بنتائجها وما تريد من خلاله؟.

يا سادة أتترك بشار يسقط هكذا وهي تعلم أن بقائها في المنطقة مرتبط ببقاء نظام الأسد! وهل للقرار علاقة بالمفاوضات التي تجري الآن بين النظام والمعارضة والتي رفض فيها مبعوثو الأسد التفاوض المباشر مع المعارضة! أم أننا أمام قرار له أبعاد تاريخية وسياسية كبرى لا يدرك العرب منها شيئا؟ وهل هي مقدمات أم نتائج؟ دعونا من خلال المعطيات السابقة نحدد الإجابة، روسيا تعد نظام الأسد أهم حليف لها ليس في المنطقة فقط بل في العالم، وهي تدرك انحسار دورها فى شرق أوروبا بعد اختراق حلف الناتو والاتحاد الأوروبي حزامها التاريخي والالتفاف على حلف وارسو وانكفاءها المتسارع على نفسها في أوروبا بعد أن أوصدت أغلب الأبواب عليها، وهي تدرك أن النظام السوري يشبه عروس المارون فى يدها تحركه شرقا وغربا كيفما شاءت تساوم به هنا وهناك وتجعله ورقة لعب رئيسية أينما تحل وترحل، فهل تتركه بهذه السهولة وسقوطه يعني أنها ستتحول إلى دولة عادية فى العالم مثل جنوب أفريقيا أوغيرها، وتنتظر أمريكا لتحدد لها خط سيرها فى العالم وأين تتواجد وأين لا تتواجد، وهل إعمالها لآلات القتل والتدمير فى سوريا سيضمن لها أن يعيش النظام مده أطول، لكنها ليست الحياه الأبدية التي تريدها هي، فقد نجحت روسيا فى جعل المعارضة تتراجع بشكل نسبي إلى الخلف، وأن تخترقها وتزرع الشقاق بين قادتها، لكنها تعلم أن الحلم بسوريا ديمقراطية حرة هو أمل وحلم لن يموت فى قلوب السوريين، وأنه مهما طال الزمان وانقضت الأيام فإنها والنظام إلى رحيل وزوال وانكسار، وأن المجد للشهداء، وستظل سوريا لأبنائها الذين رووها بدمائهم الزكية، وإن الخزي كل الخزي لمن خذل سوريا وشعبها ودمر أحلامهم ومقدراتهم، وروسيا على يقين من ذلك، متأكدة واثقة مثلما أن الجميع على ثقة من أن الليل لا بد له أن ينجلي، وحين ذاك سيتحول نهار روسيا إلى ليل دامس وتصبح بلا قيمة أو وزن فى مكان بالعالم، بل من الممكن أن نشاهد شعبها على قادة الخزى والعار يثور، فالسياسة التخريبية من جانب روسيا، والخبيثة من جانب الغرب، نعلم أنها تريد ديمومة البقاء في سوريا والمنطقة، وهذا لن يتأتى إلا من خلال بقاء الأسد ونظامه فى الحكم، ففكرت وأمعنت وكتبت وحررت ثم بيضت وسودت ثم اختارات أسوأ قرار وأقصى دمار، اختارت تقسيم سوريا… نعم، وهل يمكن لروسيا ترك سوريا بهذه البساطه لكم؟ لا… لا يمكن، وإن الأمر خطب جلل، روسيا لم ترحل قواتها من سوريا، بل جلبت روسيا الدولة إلى سوريا لتظل إلى أجل غير مسمى، وهل صدقتم أنه انسحاب أو ترحيل، بل هو جلب وتدمير، فروسيا اشترت من غير أن تدفع مال بقائها المستدام فى سوريا، وأحيطت أمريكا وإيران بالقرار مثلما أحيطت روسيا بسايكس بيكو من قبل بين بريطانيا وفرنسا، وسوريا لم تعد تحتمل أكثر من ذلك بعد أن أصبحت وأصبح العرب معها ألعوبة فى أيدى أمم الأرض قاطبة، نعم تقسيم سوريا أصبح على بعد خطوات قليلة، سايكس بيكو جديد لن يقتصر على سوريا بل الهلال الخصيب هو البداية، أو لافروف كيري هو الاسم فى الأدبيات التاريخية القادمة، لكن أين نحن العرب مما يحدث لنا ولبلادنا؟ وهل أبلغت الدول العربية الكبرى بما يجري؟ وحينها سيكون الخزي كل الخزي لهذه الدول ولتلك الأنظمة مما اقترفته في حق الشعوب، وإذا كان الشريف حسين وأولاده التمس البعض لهم العذر فى بدايات القرن العشرين لعدم معرفتهم باتفاق سايكس بيكو، وقيل إنهم خدعوا كغيرهم من العرب، لكن هل سيلتمس العرب العذر لهذه الأنظمة وهي تعلم ومتأكدة مما يجري، أم أن الأمر لا يهمهم؟ ولسان حالهم يقول ما الخوف أن تقسم سوريا إلى أشلاء؟ وتفكيرهم السطحي ينبئهم بأن النزاع سينتهي إلى الأبد إن قسمت سوريا، أنتم مخطئون، وهل انتهى عندما قسمت السودان؟ ومنذ متى جلب الغرب منافع لنا، وهو يريد أن تبقى الطائفية ويبقى القتل والدمار لتنعم إسرائيل بكل استقرار، وليكون بداية مشروع جديد، فأر تجاربه هي الدول العربية، الأمر لا يحتاج إلى تدقيق وإمعان نظر، هو جلي واضح بين، وهل إفشال جلسات الحوار بين النظام والمعارضة على الدوام إلا عمليات فرض واقع، وأوروبا قد ضاقت زرعا من قضية اللاجئين، وأمريكا تنظر من الباب الصغير، وهي توجه وتشير، ويا ليت قومي يعلمون أن الأمر مقدمات لتقرير نتائج.

عن الكاتب

أحمد الشاذلي الشريف

كاتب وباحث مصري


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس