زيرفان البرواري - خاص ترك برس
لا شك أن الثورة السورية في عامها الخامس باتت قضية دولية أكثر من كونها قضية شعب استخدم الشارع للمطالبة بالحقوق السياسية والاقتصادية بعد عقود من الشمولية السلطوية والانتهاكات الممنهجة من قبل طغاة الشام، إن الشعب السوري بدأ بصورة حضارية وطالب السلطة السورية بإصلاحات تدريجية ابتداءً من الحقوق الاقتصادية وتقليص التفاوت الطبقي، ودعم الطبقة الوسطى التي باتت تتضاءل نتيجة الفساد الإداري وإدارة الدولة من قبل عصابات مافيا وتجار الدم.
إن عملية تحليل الأحداث المتسارعة في سوريا ما بعد الثورة أصبحت أمرا مستعصيا وذلك جراء التغييرات الرديكالية التي تشهدها الساحة السورية على المستوى اليومي بعد أن كان على المستوى الشهري أو السنوي، إن دخول المعطيات المتعددة والاستقطاب الإقليمي والدولي على الأراضي السورية عرقلة إيجاد حل للاستزاف في تلك البلاد، وفرض الحقائق العسكرية والأمنية وقائع أثرت بصورة مباشرة على توازن القوى بين الدول الإقليمية أمثال تركيا، السعودية وإيران، وكذلك اشتد الصراع على توازن القوى من قبل الدول العظمى خاصة روسيا والولايات المتحدة بعد التردد الأمريكي والغطرسة الروسية.
السؤال الذي يتبادر إلى الذهن، هل تحول سوريا إلى ورقة المساومات بين الأطراف المتعددة؟ وإلى أي مدى سوف يساهم الشعب السوري بإعادة بناء الدولة من جديد بعد الدمار الذي حصل في البنية التحتية وفقدان الموارد البشرية والاقتصادية؟ وكيف يمكن التعامل مع آثار الحرب الكارثية والانتهاكات الجسيمة بحق الإنسان السوري، والتراكمات النفسية والاجتماعية والسياسية التي تفرزها الحرب بصورة يومية في بلاد الشام.
التساؤلات كثيرة وكما قلت التحليل محدود وضيق وغير مستقر نظرا للتطورات المتسارعة والاختلاف في المصالح الدولية والإقليمية على الأراضي السورية. تحول الشعب السوري للأسف إلى ورقة المساومة السياسية والجيوسياسية بين الدول العظمى والإقليمية، بل وتحول معاناة الإنسان السوري سلعة للتسويق في الأسواق السياسية العالمية وأروقة الأمم المتحدة الظالمة.
إن محادثات جنيف رغم أهميتها من حيث إيقاف جريان الدم السوري إلا أن الأجندة المخفية وراء هذه المحادثات أكثر من الأجندة المعلنة، وإن النوايا السيئة أكثرمن النوايا الحسنة، وإن المساومة على دم الشعوب أصبحت أمرا طبيعيا بعد تجرد البشرية من كل المعايير الأخلاقية والإنسانية، فالإنسان تحول إلى أداة أساسية في عقد الصفقات الدولية المشؤومة، فالروس يساومون الأمريكان على سوريا، والأمريكان يساومون الروس على أوكرانيا، وهو ما يمكن أن نسمية سياسة بدون أخلاق.
إن مسؤولية أصدقاء الشعب السوري الجريح، خاصة الدول الإقليمية أمثال السعودية وتركيا وقطر قد تعقدت أكثر، ففي الجانب التركي تتعرض أنقرة لحملات تشويه دولية من أجل إرضاء الروس والمجاملة لطهران لكي تتحول إلى شرطي الشرق الأوسط للغرب بعد عقود من العزلة الدولية. إن الضغوطات المفروضة على تركيا تهدف إلى تجردها من الاستقلالية في سياستها الخارجية، وكذلك الحال بالنسبة للدول الأخرى التي ترى في النظام السوري كل مظاهر جرائم الحرب.
الثورة السورية رغم المؤامرات الدولية والإقليمية والداخلية ضدها لا تزال مستمرة، ولا يمكن أن يقتنع الثوار السوريون بالشروط التي يفرضها النظام البعثي أو حلفاؤه المذهبيون من فرض الإرادة السياسية التي عجزت عن فرضها الآلة العسكرية لنظام بشار الأسد.
الثورة مستمرة... والمساومة على إرادة الشعوب رهان خاسر لا محالة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس