رجب طيب أردوغان - الجارديان - ترجمة وتحرير ترك برس
نظرا لأن بلدي يستضيف قمة العمل الإنساني العالمية الأولى، فإننا نتطلع إلى أن يقتدي بنا زعماء العالم في أزمة اللاجئين.
تفتتح اليوم في إسطنبول القمة العالمية الأولى للعمل الإنساني الذي يضم رؤساء دول وحكومات ووزراء من أكثر من مائة دولة، وهو ما يعكس تقدير الأمم المتحدة لتركيا التي تستضيف اللاجئين أكثر من أي بلد آخر. إلا أن تقسيم نطاق المساعدات الإنسانية ينذر بالخطر.
يعتمد ما يقارب 60 مليون شخص على المساعدات الإنسانية للبقاء على قيد الحياة. ووفقا للمفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة فإن عدد اللاجئين والمشردين بلغ أعلى مستوى له منذ الحرب العلمية الثانية، نصفهم من الأطفال. يعتمد نظام المعونة الإنسانية الحالي اعتمادا كبيرا على الأمم المتحدة، ولا يزال تحت رحمة دولة بمفردها. وهذه مشكلة عالمية يجب التصدي لها، من أجل تلبية احتياجات ملايين الأشخاص المتضررين من الحروب والصراعات والكوارث الطبيعية سنويا.
في كل يوم تحصد الصراعات العنيفة الأرواح في سوريا وليبيا واليمن، في حين تؤرق التوترات العرقية، والكوارث الطبيعية العديد من الدول في آسيا وأفريقيا. إن المشاهد المؤرقة للاجئين وهم يتدفقون على البوابات الحدودية، وجثث الأطفال الأبرياء على الشواطئ، وصور الأشخاص الذين يعيشون في فقر مدقع، كلها ترمز إلى مأساة الحياة اليومية في أماكن كثيرة. ستبحث القمة هذه المشاكل الملحة، وستسعى لإصلاح الخلل في النظام الإنساني، وتقديم التزام طويل الأجل لتطوير قدرات جديدة. للمرة الأولى يجتمع رؤساء الدول والحكومات والمنظمات غير الحكومية والقطاع الخاص والمتضررون من الأزمات الإنسانية بغية البحث عن حلول.
لقد كانت تركيا على مدى قرون ملاذا آمنا للفارين من الحرب والدمار والظلم، ونحن نوفر اليوم الإغاثة الإنسانية في أكثر من 140 دولة في القارات الخمس. ما تزال تركيا في الواقع البلد الأكثر سخاء في العالم، حيث تنفق الحصة الأكبر من الناتج المحلي الإنساني على المساعدات الإنسانية أكثر من أي بلد آخر.
إن ما يميز تركيا هو التزامنا بعمل فارق فعلي على الأرض وتغيير حياة الناس، بدلا من السعي وراء أجندات خفية، أو وضع خطط وهمية، أو التعالي على المحتاجين. عندما زرت الصومال في أغسطس آب 2014 وجدت بلدا أدار العالم ظهره له. وفي وقت نظر فيه الكثيرون إلى الصومال على أنها دولة فاشلة غارقة في الجفاف والمجاعة والصراعات، تعهدت تركيا بمساعدة شعب الصومال على الوقوف من جديد، وهو ما تنجزه وكالات الإغاثة التركية بالتعاون مع شركائها المحليين خلال خمس سنوات . أما اليوم فإن التقدم المذهل الذي حققته الصومال، من تعزيز للاستقرار السياسي ومكافحة الإرهاب، وجعل المواطنين أكثر أمانا، لم يلهم دول المنطقة فحسب، بل يمنحنا القوة لمساعدة الآخرين.
إن استجابة تركيا للأزمة الإنسانية في سوريا هي قصة نجاح أخرى. وبعد أن اعتمدنا سياسية الباب المفتوح تجاه اللاجئين السوريين في عام 2011 ، فإننا نستضيف حاليا ما يقارب ثلاثة ملايين سوري من مختلف العرقيات والديانات والطوائف. خصصت تركيا في الأعوام الخمسة الماضية 10 مليار دولار لتزويد اللاجئين السوريين بالرعاية الصحية المجانية والتعليم والسكن. وفي الوقت الذي تخلى فيه المجتمع الدولي عن الشعب السوري- حيث قتل 600 ألف شخص في الحرب الأهلية وأجبر 13 مليون شخص على الفرار من منازلهم- تركت تركيا مع بقية جيران سوريا للتعامل مع عواقب الصراع. ونظرا لأن الحرب الأهلية السورية تدخل عامها السادس فإننا ندعو العالم لإيجاد آلية عادلة لتقاسم العبء.
تجاهل المجتمع الدولي إلى حد كبير مسؤولياته، وخصوصا تجاه الشعب السوري، حين غض الطرف عن جرائم بشار الأسد ضد مواطنية. لم يدرك القادة الأوروبيون أن لم يعد بمقدورهم تجاهل هذه المشكلة إلا بعد أن ظهر اللاجئون في شوارع أوربا، وبعد أن بدأت المنظمات الإرهابية مثل تنظيم الدولة في شن الهجمات على مواطني الاتحاد الأوروبي. كان من الممكن تجنب كثير من المشاكل المتعلقة بسوريا إذا تدخل العالم في المراحل الأولى من الصراع. لكن الوقت لم يفت بعد إذا كان القادة الأوروبيون مستعدين اليوم لاتخاذ تعهدات صحيحة.
ومن أجل الإبقاء على الهجرة غير الشرعية تحت السيطرة، يجب أن تعمل أوروبا وتركيا معا على إيجاد آلية قانونية، مثل اتفاق آذار 2016 ، لإعادة توطين اللاجئين السوريين . يمكننا إقناع اللاجئين بتجنب المخاطرة بحياتهم في عرض البحر وذلك عبر مكافأة اللاجئين الذين يلتزمون بالقوانين، والإعلان بوضوح أن المهاجرين غير الشرعيين سيعادون إلى تركيا.
على المجتمع الدولي ألا يصدق مزاعم الأسد بأن الإطاحة به عن السلطة سوف يصعد النزاع في سوريا. ولكي نمنح الديمقراطية في سوريا فرصة للازدهار يجب علينا الالتزام بهزيمة كلا من داعش ونظام الأسد، بدلا من البحث عن أهون الشرين. يجب على الاتحاد الأوروبي، بوصفه من أصحاب المصلحة الرئيسيين في الشرق الأوسط، أن يعمل بفاعلية مع تركيا وغيرها لوضع حل دائم للأزمة السورية.
أنا على يقين من أن معاناة الشعب السوري ستستمر حتى يبذل المجتمع الدولي جهودا جادة لإنهاء الأزمة، ومنع الهجمات ضد المدنيين، وفرض مناطق آمنة في البلاد، ويجب على مجلس الأمن الدولي أن يقود هذا التوجه. ونحن نحث الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن على استخدام حق النقض "الفيتو" لتعزيز السلام والاستقرار والأمن في جميع أنحاء العالم، بدلا من التطلع إلى تحيقي مصالحهم قصيرة الأجل.
سيتخذ قادة العالم إجراءات ملموسة هذا الأسبوع لإصلاح النظام الإنساني الدولي، لكن قدرة القمة على تحقيق فارق حقيقي يعتمد على مدى إخلاص المشاركين والتزامهم بتحقيق النتائج ، والأهم من ذلك إلى أي مدى تتسع قلوبنا ل125 مليونا من البشر. يجب علينا أن استعادة الأمل في قلوب الفقراء والجياع والمظلومين ، ولنعمل معا لاتخاذ خطوة عملاقة إلى الأمام نحو عالم أكثر سلاما وأمنا وعدلا.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس