فهمي كورو - صحيفة ستار – ترجمة وتحرير ترك برس
سألني أحد أقاربي سؤالا منطقيا حينما قال :"برغم أن بشار الأسد قد استخدم أكثر الأسلحة المتطورة في العالم ضد شعبه، وبرغم أنه حرق شعبه بأسلحة كيميائية، لم يتحرك العالم كما يفعل الآن ضد داعش في كوباني، ما هو سبب اهتمامهم الشديد الآن بكوباني؟"، وضمن هذا الإطار يسأل كاتب عراقي تركماني "عندما كان التركمان تحت نفس التهديد لم تحرّك تركيا أي ساكن، ما الذي يحصل الآن؟".
هذه هي الأسئلة المنطقية التي ترد على أذهاننا جميعا للوهلة الأولى، حينما نرى ما تقوم به داعش من إرهاب، وما تحاول القيام به من احتلال لعين العرب "كوباني"، حتى ولو افترضنا أن ذلك لن يؤثر على تركيا وعلى عملية السلام مع الأكراد.
ولهذا السبب فإن كل مسئولي الدولة التركية، وكذلك الحكومة وكل الداعمين لها يؤمنون إيمانا قاطعا أن هذه العملية يكمن خلفها أسبابا حقيقية يُراد تحقيقها من بعض الأطراف، وهذه الأسباب تدور حول كلمة كثر استخدامها في الفترة الأخيرة من الجمهور وكذلك من بعض الكتّاب المؤيدين للحكومة وهي "المؤامرة".
بكل تأكيد أن كل الدول القائمة تسعى لتحقيق نقاط قوة لديها في كل مرحلة وفي كل عمل تقوم به، وتسلك من أجل تحقيق ذلك كل الطرق وتستخدم كل الأساليب، وهذا لا خلاف عليه لأنه أمر واضح وظاهر للعيان، حتى من خلال استخدام بعض المناوشات أو الصراعات غير اللازمة التي نشاهدها كل فترة في بعض الدول. لكن ما نريد التركيز عليه هنا أن بعض الدول وخصوصا الدول صاحبة النفوذ تسعى لتحقيق مآربها من خلال طرق ملتوية، وهذا ما نراه يُطبّق الآن في عدة مناطق من العالم.
لا تُستخدم "المؤامرة" دوما لتحقيق أمور سلبية فقط، فربما يتم تطبيقها من أجل جر بعض الدول أو بعض الأشخاص إلى موضع ما، وسحبها للخلف لترجع إلى مكانتها التي تريد الدول صاحبة النفوذ أن تبقى فيها، وبعد تطبيق هذه "المؤامرة" على الدولة أو الأشخاص المستهدفين تتحقق المآرب التي وضعت خلال هذه العملية، سواء أكان ذلك ضد الشخص أو الدولة المستهدفة أو لصالحها من خلال ترقية وترفيع بعض المسئولين إلى مراكز أكثر تقدما ونفوذا في الدولة المستهدفة.
ولتحقيق أهداف القوى صاحبة النفوذ، سواء أكان ذلك بطرق مباشرة واضحة وصريحة، أو أكان باستخدام أساليب ملتوية وغير مباشرة، تستخدم لذلك كل الوسائل والأدوات المتاحة، من خلق اضطرابات، وتضييق على الشعب، أو باستخدام الصحافة والإعلام وغيرها من الأدوات الأخرى.
لكن الأشخاص الذين يكونون ضمن هذه الأدوات، كما جزء كبير من الشعب المحتج، أو حتى العاملين في الصحافة والذين يصبون البنزين على النار، جزء كبير من هؤلاء لا يقومون بذلك عن وعي وإدراك لحجم المؤامرة الذين هم جزء منها.
وهذا ما كان الخطأ الأكبر لتعامل الحكومة والمقربين منها مع أحداث "الغزي بارك" في اسطنبول، ونحن الآن نعيش وضعا مماثلا ومشابها لتصرفات الحكومة تجاه الأحداث والتطورات الأخيرة. فليس كل القائمين في تلك المحافظات التي تشهد اضطرابات هم مع ما يحصل من فوضى، بل بالعكس يوجد فيهم الكثير من يريد إيقاف الدماء التي تسيل في تلك المناطق، لكن هؤلاء "الكثير" يعاملون الآن معاملة "الطابور الخامس".
وإذا كنا نتحدث فعليا عن "مؤامرة"، فإننا بذلك نكون قد حققنا جزءا هاما من أهداف "المتآمرين" من خلال تصرفنا تجاه الأحداث بتلك الطريقة.
وبدءا على عود، نسأل هنا، هل من الممكن أن تكون التطورات الأخيرة عبارة عن "لعبة" كبيرة؟ هدفها الإطاحة بالحكومة وإضعاف الأشخاص أصحاب النفوذ في الدولة، وإدخال الدولة في أمور معقدة؟ هل نتحدث عن مؤامرة ذات أهداف ضخمة؟
في عام 1972 فاز "ريتشارد نيكسون" للمرة الثانية برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، وكان حينها في قمة شهرته وهيبته، وكان في طريقه –حسب الدراسات آنذاك- ليكون أكثر رئيس محبوب من الشعب في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية.
لكن وبعد مرور عامين ضُرب ضربة قاضية، ليفقد حتى شرفه وكرامته، ثم أجبر بعد ذلك على الاستقالة. اعتقد أنكم تذكرتم السبب، وهو فضيحة "ووترغيت".
فأن يبقى العالم طيلة الفترة الماضية ساكتا صامتا، برغم ما تعرض له التركمان من مذابح، وما تعرضت له حمص وحلب وحتى دمشق من قصف ودمار، وبرغم ما تعرض له الشعب السوري من قصف بالأسلحة الكيميائية، رغم كل ذلك بقي العالم صامتت، وعند وصول كوباني الى "المذبحة" أصبح الأمر مضطربا وعلى درجة عالية جدا من الحساسية والأهمية لدى العالم كله، وهذا ما يذكرنا بما عاشته الولايات المتحدة الأمريكية قبل نصف قرن.
لا أريد الإطالة أكثر من ذلك، لكنني سأدوّن هنا بعض الأمور الهامة، "فالمؤامرة" هي نظام منتشر وجرى ويجري تطبيقه في السياسة بين الحين والآخر، لكن تحقيق أهداف المؤامرة ليس بالأمر السهل كما يتصوّر البعض. فإذا كنتم تعتقدون أنكم تواجهون "مؤامرة" مُدبّرة، فعليكم أن تشخّصوا أولا الموضوع بصورة صحية، ثم تتحروّن كل خطوة ستتخذونها ضد هذه "المؤامرة" حتى لا تحقق أهدافها.
وأهم ما في هذا الأمر هو استخدام "العقل" من قبل المسئولين أصحاب النفوذ في الدولة المستهدفة، حتى تخرج الدولة والحكومة من "المؤامرة" التي تعتقد أنها تُحاك ضدها بأقل الأضرار ودون تحقيق أهدافها الأساسية.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مواضيع أخرى للكاتب
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس