ترك برس
تُعد أذربيجان القاعدة الثانية بعد تركيا لجماعة غولن التي تسعى للتغلغل في أكبر عدد ممكن من دول المنطقة، حسب الكاتب التركي تونجا بنغين الذي أكّد أن أذربيجان أجرت عمليات تطهير شاملة لمؤسساتها بموازاة العمليات الجارية في تركيا، فتم إغلاق عدد كبير من الجامعات والمدارس وتم فصل عدد كبير من الموظفين.
وفي مقاله بصحيفة ملييت "كيف استطاعت جماعة غولن خداع أذربيجان" يحاول بنغين الإجابة على تساؤل: كيف سقطت أذربيجان في شراك جماعة غولن؟.
استقلت أذربيجان عن الاتحاد السوفييتي عام 1991، وبعد كفاح مرير ضد سلطات الاتحاد السوفييتي لم تلبث أن تعرضت لانقلاب عسكري قام به حيدر علييف عام 1993، وفي ظل حالة الضعف السياسي والأمني والاقتصادي التي كانت تمر بها البلاد وجدت جماعة غولن فرصة ذهبية لبسط نفوذها بداخل مؤسساتها.
أشار بنغين نقلًا عن الصحافة في التسعينيات أن معظم الرحلات ما بين إسطنبول وباكو كانت تحتوي على معلمين لغة تركية أو موظفين دينيين، موضحًا أنه لم يعلم حينذاك من الذي يرسل هؤلاء الموظفين، ولكن اليوم بات واضحًا أن جماعة غولن هي من أرسلتهم، وقد بيّنت الجماعة ذلك في أكثر من تسجيل مصور لها.
وبيّن بنغين أن الجماعة أرسلت موظفيها إلى هناك في وقت لم تكن هناك فيه مدارس في أذربيجان، أي أن المدارس الأولى هناك كانت تابعة لجماعة غولن، مشيرًا إلى أن الأمر يبدو وكأن غولن خطط لذلك قبل تفكك الاتحاد السوفييتي.
نقل بنغين عن أحد الدبلوماسيين الأتراك الذين عملوا في أذربيجان قوله إن المدارس والمؤسسات المجتمعية افتتحت هناك قبل فتح تركيا لسفارتها، منوّهًا إلى أن هذه الإجراءات ليست بسيطة وتحتاج إلى دعم قُوىً ذات نفوذ قوي.
وأضاف أن الحكومات التركية المتتالية رأت في جماعة غولن ذراعًا قوية للتمدد الثقافي والاجتماعي، فعملت على دعم نشاط جماعته داخل أذربيجان، وأوعزت لها بفتح مدارس أخرى لها في كافة دول آسيا الوسطى، وكان الرئيس التركي الراحل تورغوت أوزال، منظر الانفتاح التركي، هو الذي أوصى بشدة الحكومات والمسؤولين الأتراك بدعم الجماعة لتحقيق انفتاح تركي مدروس، فدعمت أركان الدولة التركية المختلفة تمدد جماعة غولن في أذربيجان.
بعد برهة من الزمن بدأ بعض المسؤولين بالامتعاض من الإجراءات تلك التي ظهرت بشكل الخادم لجماعة معينة وليس للمصالح القومية التركية، فأسست الحكومة التركية مدرسة ثانوية تابعة لها في باكو عام 1993، كبديل لمدارس جماعة غولن، الأمر الذي أزعج الجماعة التي بذلت جهودًا كبيرة لإغراء الطلاب الأذريين بالمساعدات والمنح لجذبهم إلى مدارسها، وبعد سيطرة جماعة غولن على منافذ واسعة في الدولة التركية، ضعفت المدرسة التركية الحكومية بشكل كبير حتى أنها عانت من نقص في عدد المعلمين ولم ترسل وزارة التربية والتعليم التركية معلمين لتغطية هذا النقص.
أشار بنغين إلى أن رئيس جهاز الاستخبارات الوطنية تومان كومان شعر بالهدف الحقيقي لجماعة غولن وخطرها الذي يتهدد المصالح القومية لتركيا والدول الصديقة، فأرسل تقارير حول أنشطتها وأهدافها إلى الحكومتين التركية والأذرية، ولكن سيطرة جماعة غولن على المؤسسات التركية وحالة عدم الاستقرار في أذربيجان إلى جانب عدم وجود أي شواهد حول المآرب الحقيقية للجماعة حالت دون تنفيذ الحكومات أي إجراءات وقائية ضد تلك الأنشطة.
وأوضح بنغين أن جماعة غولن ثبتت أقدامها هناك من خلال الفعاليات التجارية، حيث افتتحت المدارس بالشراكة مع تجار ومسؤولين أذريين، كما روجت للاعتدال في الدين، مما ساهم في إقناع الحكومة الأذرية بضرورة وجودها لمحاربة أي فكر متطرف قد يظهر.
ونقلًا عن خبراء أذريين، أكّد بنغين أن جماعة غولن تغلغلت في أذربيجان على الصعيد التربوي والدعوي والاقتصادي فقط، أما على الصعيد العسكري والاستخباراتي فلم يظهر لها أي نفوذ، والفضل في ذلك يعود إلى الحزم الأمني الشديد الذي شكله الرئيس الأسبق "حيدر علييف" على الأجهزة الأمنية والسياسية في أذربيجان، مشيرًا إلى أنه على العكس من حكومة حزب العدالة والتنمية التي احتاجت لشريك أمني يساندها في محاربة الفكر العلماني المتسلط، لم تحتَج أذربيجان لأي شريك، فهي قد تأسست عام 1991، وكان علييف أحد مؤسسيها، على العكس من تركيا التي أسسها العلمانيون واحتاجت حكومة حزب العدالة والتنمية ذات التوجه الإسلامي لمجابهة من يحارب شرعيتها وديمقراطيتها من خلال البيروقراطية والنفوذ في الجيش والمؤسسات الأمنية الأخرى، وهذا ما أسهم في تخلُّص أذربيجان بشكل يسير من تغلغل غولن وتمكُّنها من الحفاظ على علاقتها الية مع تركيا.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!