مصطفى سونميز - المونيتور - ترجمة وتحرير ترك برس
يواجه الاقتصاد التركي متاعب تجلت في الانخفاض الكبير لليرة التركية، الأمر الذي يجبر أنقرة على اتخاذ تدابير طارئة. وبينما قاد الرئيس، رجب طيب أردوغان حملة ضد تهديد الدولار، كشفت الحكومة في الأسبوع الماضي النقاب عن حزمة من التدابير لتهدئة الفعاليات الاقتصادية. ومع توقع انكماش السوق المحلي، ستركز هذه التدابير على تشجيع الصادرات والتعاقدات مع الخارج. وكجزء من هذه الحملة للانفتاح على الخارج والحصول على النقد الأجنبي، عاد الحديث من جديد عن إمكانات أسواق الشرق الأوسط. كان للتجار والمقاولين الأتراك حضور لافت في المنطقة قبل أن تضرب الحروب والصراعات السياسية العلاقات الاقتصادية. لكن كيف يمكن لهذه الإجراءات أن تحيي الأداء الاقتصادي مع كل علامات الاستفهام الاقتصادية والسياسية.
أتت دعوة أردوغان المواطنين إلى تحويل الأصول الدولارية إلى الليرة التركية ثمارها لبضعة أيام في الأسبوع الماضي، لكن بعد أن استعادت الليرة بعض قوتها عادت للتراجع مرة أخرى. وأعلن رئيس الوزراء بن علي يلدريم أن نحو 10 مليارات دولار حولت إلى الليرة التركية في إطار الحملة، لكن سرعان ما اتضح أن التحويل لم يتم عن طريق المواطنين بل عن طريق البنوك الحكومية والمؤسسات العامة الأخرى التي حولت احتياطيها من النقد الأجنبي إلى الليرة التركية. بعد تراجع الدولار في البداية عاود ارتفاعه مرة أخرى ما قد يدفع المستثمرين الأجانب للخروج من البورصة.
يبدو أن عمليات البيع في البورصة التركية يقودها التراجع النسبي لسعر الدولار. كيف؟ تبلغ الاستثمارات الأجنبية قصيرة الأجل في الأسهم التركية والسندات الحكومية قرابة 61 مليار دولار، لكن هذه الاستثمارات وضعت بالليرة التركية، وعندما يريد المستثمرون الذهاب، فإنهم ينتظرون اللحظة المناسبة لسعر الصرف الملائم، وبالتالي فإن تراجع الدولار يوفر هذه الفرصة.
إثناء المستثمرين الأجانب عن مغادرة الأسواق التركية ليس الخيار الوحيد للتغلب على العجز في النقد الأجنبي،فكسب النقد الأجنبي وسيلة أخرى لمحاربة الأزمة، وهو ما دفع الحكومة إلى وضع سلسلة من الحوافز للمصدرين.
ومع الإعلان عن التدابير الاقتصادية بعد اجتماع مجلس التنسيق الاقتصادي يوم 8 ديسمبر/ كانون الأول ، قال يلدريم "تحتاج الشركات إلى سيولة نقدية في السوق. نحن بصدد إقامة خط ائتمان يصل إلى 250 مليار ليرة تركية (72 مليار دولار)... لتخفيف أزمة السيولة وزيادة فرص العمل. هذا صندوق جديد للتغلب على أزمة السيولة التي يواجهها المصدرون والشركات صغيرة ومتوسطة الحجم".
ونظرا لأن تركيا تشهد عجزا في النقد الأجنبي، فإنها أهملت في الواقع الصادرات بوصفها وسيلة للحصول على النقد الأجنبي. في الفترة بين عامي 2010-2015 بلغت قيمة متوسط الصادرات 142 مليار دولار سنويا، بينما بلغت الواردات 227 مليار دولار، وهذا يعني أن متوسط العجز السنوي كان 85 مليار دولار. وكان أكبر عجز في تلك الفترة في عام 2011 حين وصل إلى 105 مليار دولار، في حين كان أقل عجز في عام 2015 ووصل إلى 63 مليار دولار بتأثير تراجع أسعار الطاقة وضعف النمو الاقتصادي.
ووسط استمرا تباطؤ النمو (يتوقع أن يصل معدل النمو هذا العام 2%) فإن العجز سينخفض قليلا، لكنها تبقى مشكلة حادة تحتاج إلى معالجة. لا يمكن لعائدات السياحة أن تعالج عجز التجارة الخارجية البالغ 85 مليار دولار سنويا، ولا تغطي سوى ربع هذه الفجوة.
وبإيجاز تأخرت البلاد في تذكر الصادرات، لكن كما يقول المثل التركي " الخسائر التي توقفها هي مكسب" . وإذا كان الاتحاد الأوروبي أول منطقة تستهدفها حوافز التصدير، فإن الشرق الشرق الأوسط القريب سيكون ثاني منطقة مستهدفة، فهي المنطقة التي كان لتركيا علاقات اقتصادية جيدة معها، وهي الآن مجبرة على تذكرها.
في القترة بين عامي 2010-2015 بلغت واردات تركيا من دول الشرق الأوسط 18.5 مليار دولار في العام، في جين بلغت صادرتها 33 مليار دولار، ما يعني وجود فائض في التجارة الخارجية السنوية يصل إلى ما يقارب 15 مليار دولار.
بدأت تركيا تركز على المنطقة في عام 2003 ، ما أدى إلى زيادة حجم التجارة الخارجية من 9 مليار دولار إلى 64 مليار دولار في عام 2012 . ولعبت زيادة الواردات التركية من الطاقة من المنطقة دورا كبيرا في هذه الزيادة المذهلة التي بلغت 61% ، لكن الأهمية المعلقة على الشرق الأوسط كانت على نفس القدر من الفعالية، وهو ما يتضح من حقيقة أن العراق صار ثاني أكبر سوق للشركات التركية بعد ألمانيا.
كيف تبدو الأمور اليوم؟ وفقا لأحدث البيانات المتاحة بلغ حجم التجارة في الأشهر العشرة الأولى من عام 2016 بين تركيا ومنطقة الشرق الأوسط قرابة 36 مليار دولار أو 13% من إجمالي حجم تجارتها الخارجية البالغ 280 مليار دولار وهو رقم مُرض بالكاد.
بحجم تجارة ثنائية يصل إلى 8 مليار دولار تعد إيران الآن أكبر شريك إقليمي لتركيا. وبسبب انخفاض أسعار الطاقة العالمية فإن تركيا التي تشتري النفط والغاز من إيران وفرت 600 مليون دولار من جارتها الشرقية. دولة الإمارات العربي المتحدة هي شريك رئيس آخر بحجم تجارة ثنائية يصل إلى 6.5 مليار دولار، ويميل الميزان التجاري لصالح تركيا بمليار دولار. تراجع التبادل التجاري مع العراق في السنوات الأخيرة، لكن العراق ما يزال على رأس القائمة، حيث يشتري منتجات تركية بقيمة 6 مليار دولار، الأمر الذي يجعله ثالث أكبر سوق لتركيا بعد ألمانيا وبريطانيا. وتبرز المملكة العربية السعودية وإسرائيل بين دول المنطقة حيث استوردت كلا منهما بضائع تركية بقيمة 2.5 مليار دولار في الأشهر العشرة الأولى من هذا العام. والمحصلة أن خمس دول من دول الشرق الأوسط المذكورة آنفا تشكل 72% من حجم تجارة تركيا في المنطقة البالغ 36 مليار دولار.
الاتجاه التصاعدي لأسعار النفط، وخفض إيران لنفقات الحرب وتحسن علاقاتها مع الغرب يمنح تركيا فرصة لتعزيز تجارتها الإقليمية. لكن هذا ليس سوى احتمال، ولجعله حقيقة واقعة تحتاج تركيا إلى تحسين علاقاتها السياسية مع الجوار، وتحتاج دول المنطقة إلى التصدي لمشاكلها السياسية والاقتصادية لكي ترفع معدلات النمو السنوي إلى 3% حسبما يتوقع صندوق النقد الدولي للمنطقة.
يقدم الاستثمار المباشر إمكانية كبيرة أخرى لتركيا، فالاستثمار المباشر في تركيا من دول المنطقة لا تتجاوز قيمته 2 مليار دولار. جذب الاسثمارات الإقليمية إلى تركيا، وتوسيع التعاون في قطاع السياحة، وزيادة حجم مشاريع البناء يمكن أن تطرح على جدول الأعمال خلال الايام المقبلة إذا أثمرت جهود السلام في المنطقة. لكن هذا يتوقف على روح السلام والتلاحم وروح التعاون المتبادل.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس