ياسر سعد الدين - خاص ترك برس
ثمة هجوم شرس على أردوغان بعد سقوط حلب ومشاهد الاستعلاء الإيراني الطائفي البغيض والذي تعمد إهانة الحلبيين والإساءة إليهم مدفوعا بحقد طائفي أسود. أين وعود أردوغان؟ وأين تصريحاته النارية وخطوطه الحمراء؟؟ بل ذهب البعض إلى أكثر من ذلك متهما أردوغان بأنه ورط السوريين متعمدا، ليتركهم لمصيرهم دمارا وقتلا وتهجيرا؟ وإذا كان هناك من أطلق تلك التساؤلات من قلب مجروح إثر ماسأة حلب الدامية وقد بلغت به العواطف مداها، فإن هجوم آخرين يصب ضمن هجمة دولية شرسة على تركيا تستهدفها دولة وإنجازات ورمزا ومكانة.
وإلا فلماذا يتحدث هولاء عما يرونه تقصيرا تركيا في نصرة حلب ولا يتحدثون عن القتلة وجرائمهم؟ بل إن شخصية عربية مشهورة وموتورة تطاولت من قبل على مرسي تفعل ذلك الآن مع أردوغان دون أن تتجرأ عن الحديث عن جرائم روسيا أو حتى إيران والتي تحتل جزرا من بلادها!! نعم تحدث أردوغان عن أن حلب خط أحمر، وهذا صحيح ولكنه لم يكن ليدرك حجم التواطؤ الدولي على السنة وعلى تركيا. كان أردوغان كما السوريين والمعارضين منهم، يظن بأن في المجتمع الدولي بقايا من قيم وأخلاق ومبادئ.
فأوباما الحائز على جائزة نوبل للسلام كان قد تحدث مرارا عن سقوط شرعية الأسد وأن استخدامه للسلاح الكيماوي هو خط أحمر، وإذا به مخادع مخاتل وإذا بتصريحاته خداع مبرمج ضمن سياق تدمير سوريا والمنطقة. كما إن المعارضة السورية تحدت كثيرا وتحدثت أكثر وأتخذت مواقف حدية ثم تراجعت عنها ومنها تحت ضغوط موازيين القوى الصارخة وهي صاحبة الجرح الأساس كما يفترض!! قبل ذلك تعرضت تركيا للوم كثيرين ممن يرون أن دعمها للمعارضة السورية أقل مما يجب، فجاء أنقلاب تموز ليكشف لنا أن قادة عسكريين يتربصون بأردوغان الدوائر وأنهم يريدون قتله والإطاحة برأسه. وأن كثيرا من سوء المعاملة والتربص بالمعارضين والثوار السوريين تركيا كان خلفها جماعة غولن والتي تشكل في الدولة والجيش والشرطة كيانا موازيا ينتشر كالسرطان خطورة ومساحة.
وحين وقعت المواجهة بين أنقرة وموسكو سحبت واشنطن صواريخ الباتريوت ولحظنا تثاقلا وخذلانا من حلف الناتو يكاد يصل لنوع من التواطؤ والتآمر على أنقرة. تركيا تواجه حربا شرسة وبأدوات كثيرة وإن لم تكن معلنة. فبعد الانقلاب الفاشل تعرضت لهجمة حاقدة إعلامية وسياسية من الغرب على خلفية إجراءاتها لحماية الدولة والمجتمع من الانقلابيين وخطرهم. يهاجمون أردوغان حقوقيا ويمتدحون السيسي والذي وصلت جرائمه الدموية وانتهاكاته الحقوقية للشاب الإيطالي ريجيني والذي اختفى ذكره وغيب من وعن وسائل الإعلام.
تحالف على تركيا خطر الإرهاب والذي صمت فجأة في كل مكان ليتركز فيها وباتت وسائل إعلام غربية كما عربية حاقدة تتحدث عن إرهاصات حرب أهلية يتمنونها في تركيا ويسعون إليها. وليجتمع الأضداد غولن والإرهابيين الأكراد وداعش على تركيا وكأنهم يتلقون توجيهاتهم من مشكاة واحدة!! ولتبدأ وتشتعل حرب إقتصادية تستهدف تركيا وليرتها وتسعى لإن تعصف بإنجازاتها الاقتصادية وتطيح بنجاحتها الباهرة. لم تقف دولة مع السوريين المكلومين وعاملتهم بكرامة كما تركيا!! ولم يقف بلد ضد حصار غزة وحمل قضية الفلسطينيين ومعاناتهم كما فعلت تركيا!! ولم يتضامن زعيم دولي بقوة ووضوح مع السعودية ضد جاستا كما فعل أردوغان!! وها هي السهام والمؤامرات تستهدف تركيا وتتحين الفرص لطعنها وإشعال الفتن فيها.
الذين يهاجمون أردوغان عن حسن نية وبعضهم في أنقرة يذكرونني بمن كانوا يهاجمون مرسي ومن القاهرة وبعضهم علماء سوريين، ليأتينا السيسي الداعم الأكبر لإجرام وإرهاب الأسد، وليكتشف الجميع أن مرسي كان مقيدا ومراقبا ومستهدفا!! أردوغان ليس دكتاتورا عسكريا يستطيع أن يحرك جيشه متى أراد، وليس ولي فقيه يستطيع أن يخدع البلهاء ويجندهم، هو حاكم منتخب بشكل ديمقراطي نزيه استحوذ على اغلبية أصوات الناخبين. لديه معارضة سياسية علمانية شرسة وجماعات إرهابية مدعومة دوليا تريد أسقاطه من خلال زعزعة أمن البلاد. تركيا تتوفر على حدود ملتهبة مع العراق وسوريا تزيد على 1500 كم كما إن ميلشيات إيران الطائفية وحشدها العراقي تطلق التهديدات جهارا نهارا بحق تركيا وتهدد بتفكيكها، والأمر بمثابة حرب إيرانية بالوكالة وإن كانت غير معلنة لحد الآن.
لقد اضطر أردوغان للتصالح مع موسكو مكرها للتخفيف من الاندفاع الإيراني الطائفي ولمحاولة تهدئة الإجرام الروسي والمحافظة على أرواح الأبرياء كما يحصل في مرحلة ما بعد سقوط المدينة. تركيا تختار وقد خيبتها الدول العربية –باستثناء قطر- وفجعتها تشرذم المعارضة السورية واختراقاتها، اختارت في مسألة حلب أخف الضررين وأهون الشرين، باختصار موقفها كموقف المريض الذي يضطر لقطع يده للحفاظ على حياته. الذي يهاجمون أردوغان وتركيا بنيات طيبة، إنما ينكأون جروحهم ويساهمون في تخريب الحصن الأهم والأخير والذي يمكن للمظلومين والمستضعفين أن يلجؤوا له!!
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس