ترك برس
في ظل روعة الإنتاج والخيال السينمائي العالي في الدرامَة التاريخية حقق المسلسل التاريخي التركي "قيامة أرطغرُل" نسبة مشاهدة عالية، حيث أُنتج بعد مسلسل حريم السلطان الذي تضمن مشاهد بعيد عن الحقائق التاريخية ومنافية للأخلاق.
وفي مقطع فيديو نشره عبر قناته الخاصة في محركة "يوتيوب"، استعرض الباحث الكويتي في التاريخ الإسلامي "عبد العزيز العويد"، تقييما للمُسلسل الذي تدور أحداثه في القرن السابع الهجري الثالث عشر الميلادي ما بين حلب وأنطَاكيا(هطاي)، والمسلمون يعيشون حالة من الضعف والتشرذم والخلافات بين مطرقة الصليبيين وسندان المغول.
ويُشير العويد إلى أن بطل المسلسل هو "أرطغرُل" المولود تقريبا في سنة خمسة سنة 586 من الهجرة والمتوفى في سنة 680 من الهجرة، وهو والد عثمان بن أرطغرُل مؤسس الدولة العثمانية وهم من قبيلة "الكايي" إحدى قبائل الأوغوز التركمانية.
والأوغُوز هي التي تذكر في المصادر العربية بقبائل الغز من قبائل التركمان، وهم بادية الترك. والسلاجقة نسبة إلى سلجوق أحد قادة قبائل الأوغوز التركية، وقد كان لهم دولة في مطلع القرن الخامس الهجري.
وقد كان للسلاجقة دور كبير في خدمة الإسلام وبصمة كبيرة في الحضارة الإسلامية ما زالت مذكورة إلى اليوم، بحسب ما يرويه الباحث الكويتي عبد العزيز العويد.
ويرى العبيد أن إيجابيات مسلسل قيامة أرطغرُل كثيرة جدًا، لاسيما في الرسائل المباشرة وغير المباشرة التي تدعو إلى مكارم الأخلاق والتمسّك بالإسلام.
شخصية "ابن عربي" في المسلسل كان لها دور كبير في استدعاء النصوص التاريخية ومن السيرة النبوية وإسقاطها على الأحداث اليومية.
أيضا في الجزء الثاني لما اجتمع أرطغرل بجماعة من التجار قلل من شأنهم في عزوفهم إلى التجارة والدنيا وتركهم الجهاد، فذكروا له بأنهم ينصرونَ الإسلام عبر تجارتهم واقتصادهم وأنه لا يمكن للدول أن تقوم إلا إذا استغنت بنفسها عن غيرها، ولا يمكن لك يا أرطغرُل أن تستغني بسيفك عن الاقتصاد الذي سيقيم دولتك التي ستُنشأها لاحقا.
وبحسب العويد، فإن المسلسل أظهر أيضًا الخيانات التي كانت موجودة في العالم الإسلامي، قد تكون مبالغة نوعًا ما، لكنها موجود وفي كل زمان.
ربط الناس بالله والإكثار من ذكر الله ومشاهد الصلاة وغيرها من رسائل كثيرة من إيجابيات المسلسل، ورغم ذلك إلا أن المسلسل لم يخلو من ملاحظات تاريخية بعضها مهم للغاية.
لم يتعرض المسلسل للخليفة العباسي الذي كان موجودًا وكان السلاجقة والأيوبيّون تبعا له ولو في صورة شكلية، بل الخليفة العباسي آنذاك هو الناصر لدين الله الذي حكم 46 سنة وكان موصوفًا بالصلاح والقوة.
من جهة أخرى، لم يذكر بشكل كامل من الحديث عن العرب، حتى حلب التي كانت مليئة بالعرب لم يأتِ ذكرُ العرب أبدًا. واضح أنّ المسلسل موجه للأتراك ولكن ليس هذا على حساب طمس الحقائق التاريخية وإظهار التعصب التركي في بعض حواراته.
ويقول العويد: "كما أن للقائمينّ على المسلسل الحق في الدفاع عن التصوف وإظهار شخصية ابن عربي، فلنا الحق أن كثيرًا من المخالفات ظهرت فيه، بل إن ابن عربي نفسه قد عاش في دمشق ولم يثبت لقائه بأرطغرُل فضلا عن أن يكون حاضرا في أكثر أحداث المسلسل.
وحضوره في كثير من الأحيان لم يكن موفقًا وفيهِ مخالفات شرعية. لهم الحق في الاعتزاز به ولنا الحق في أن نقول إنها مخالفات".
كما يُشير العويد إلى الاختلاط الكثير في مسلسل "قيامة أرظغرُل" التركي، مبينًا أن "مخالطة المرأة للرجلِ كالرجل تمامًا، ولا أدري هل الأعراف والتقاليد التركية كانت تسمح بمثل هذا؟".
وبحسب الباحث الكويتي، فإن المسلسل التاريخي التركي لم يخلو أيضًا من المبالغة في قوة الرجل التركي ولو على حساب ازدراء قوة الخصم كالمغولِ أو غيرهم المعروفين بالقوة.
كما لم يخلو المسلسل التركي - وفقًا للعويد - من مشاهد العنف التي ينبغي الاستغناء عنها لا سيما عند ضرب الأعناق في صورة مقززة أحيانًا، فضلًا عن أغلاط تاريخية عديدة.
من جهة أخرى، يقول الدكتور محمد مكرم بلعاوي. رئيس منتدى آسيا والشرق الأوسط بإسطنبول، إنه يمكن لمس الإسقاطات التي يريد المسلسل أن يرسِّخها في ضمير المشاهد، بقليل من الملاحظة، مستحضرين أوجه الشبه بين عالم أرطغرل وتركيا العدالة والتنمية، ويمكن إجمالها بإبراز أهمية تركيا كدولة تقع على تقاطع طرق القارات، وقدرتها على توفير العدل والأمن المطلوب لرخاء وتقدم المنطقة، وجدارتها بتوحيد وقيادة الأمّة الإسلاميّة، كي تواجه العدوان والتغول الدولي.
ويرى بلعاوي أن العنف المفرط وطغيان نظرية المؤامرة وسطحية تناول القضايا الكبرى، والتي طبعت الجزء الأول والثاني من المسلسل، مازالت مستمرة في الجزء الثالث من المسلسل، ويبدو أنّها أصبحت سمات ذاتيّة لا يمكن الفكاك منها. فالجزء الثالث يعاني من العنف المفرط وذلك انعكاس لمحاولات تقليد الأفلام الغربية وخصوصاً الأمريكية، اعتقاداً من المنتجين أن هذا النوع من الدراما يجذب المزيد من المشاهدين، وهو وإن كان يتوافق مع الثقافة المادية الغربية فإنه يتناقض مع الثقافة الإسلامية والتعاليم الإسلامية والتي أمرت بالرفق والرحمة وتجنب العنف غير الضروري حتى مع الأعداء، بل مع الحيوانات أيضاً.
كما أنّ الحبكة برمّتها تكاد تقوم على نظرية المؤامرة، فالمتآمرون منتشرون في كل مكان وقد يكونوا من أقرب الأقرباء ممن يزعمون الصلاح ومصلحة القبيلة والأمة، لتكتشف لاحقاً أنّهم يتآمرون مع العدو لمصالحهم الضيقة، أو أنّهم يعلنون الإسلام ويبطنون خلافه وهمّهم الأول هو تدمير الإسلام والقضاء عليه، وفوق كل ذلك يتم تناول القضايا الكبرى كوحدة الأمة ومواجهة العدوان الصليبي بكثير من التسطيح والتبسيط كان من الممكن تجاوزه إلى معالجات أكثر عمقاً.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!