محمود عثمان - خاص ترك برس
تعاني السياسة الخارجية التركية من حالة إرباك، تعكس حجم الضغوط الهائلة التي تتعرض لها تركيا في الآونة الأخيرة. بالرغم من السياسات البرغماتية والاستدارات ومحاولات التكيف مع المستجدات الناتجة عن التغييرات في موازين القوى , وتبدلات تموضع القوى في منطقة الشرق الأوسط.
في مقابلته مع صحيفة حرييت قال نائب رئيس الوزراء والمتحدث الحكومة التركية، نعمان قورتولموش، "سياستنا في سورية كانت مليئة بالأخطاء منذ البداية"!. لكن قورتولموش اضطر للتراجع أمام سيل الانتقادات التي تعرض لها، من داخل حزبه ومن خارجه. حيث يلتقي في هذه النقطة مع أحزاب المعارضة التي تنتقد سياسة الحكومة في سورية صباح مساء. مما اضطره في اليوم للتراجع خطوة للوراء قائلا إن تصريحاته "تم تحريفها وتأويلها بشكل خاطئ"، ومضيفا في السياق ذاته: "كنت أقصد السياسة المتبعة حيال سورية التي ينتهجها المجتمع الدولي بشكل عام، فهي سياسة خاطئة، ومع الأسف فإن الشعب السوري هو من دفع ويدفع الثمن، لكن تركيا تقف منذ البداية في المكان الصحيح حيال الأزمة". وتابع متحدث الحكومة التركية: "أردنا بناء مرحلة ديمقراطية في سورية، لكن لم نتمكن من ضمان تطوير الوسائل السياسية لتنفيذها، فإمكاناتنا لم تكن كافية، والمجتمع الدولي لم يقدم دعمًا جادًا بهذا الشأن".
من جانب آخر دان نائب رئيس الوزراء محمد شيمشك، في تغريدة له على موقع تويتر، عملية دهس الجنود الإسرائيليين في القدس واصفا إياها "بالإرهابية الحقيرة"!. تصريحات شيمشك وإن جاءت بالتوازي مع الاستدارة التركية نحو إسرائيل، لكنها تخالف صراحة توجهات القاعدة الشعبية الداعمة لحزب العدالة والتنمية، ومعاكسة لتصريحات سابقة للمسؤولين الأتراك، حول حق الشعب الفلسطيني في الدفاع عن حقوقه المشروعة في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي.
تصريح الوزير شيمشك أيضا قوبل بسيل من الانتقادات الحادة، مما اضطره للاعتذار ومسح تغريدته من حسابه على تويتر.
عودا على تصريح قورتولموش "سياستنا في سورية كانت مليئة بالأخطاء منذ البداية"، وخصوصًا جملة "منذ البداية" لاقت انتقادا شديدا في أوساط حزب العدالة والتنمية. بعض المتابعين لشؤون الحزب فسر هذه التصريحات على أنها تعريض برئيس الوزراء السابق أحمد داوود أوغلو. إذ من المعروف أن من وضع قواعد وأسس السياسة الخارجية التركية هو أحمد داوود أوغلو وليس غيره. البروفسور داوود أوغلو هو من رسم معالم السياسة الخارجية التركية ووضع أسسها منذ أن كان مستشارًا لرئيس الوزراء، ثم سفيرًا، ثم وزيرًا للخارجية.
محاولة النيل من داوود أوغلو ليست جديدة، ولا تتوقف عند نعمان قورتولموش وحده. إذ هناك فئة داخل حزب العدالة والتنمية، خصوصًا ممن لحقوا بقطار الحزب فيما بعد، يحاولون تجيير كل قصور في السياسة الخارجية إلى إرث داوود أوغلو. هؤلاء وإن اختلفت أسبابهم ودوافعهم، فهم يلتقون عند نقطة انتقاد داوود أوغلو وإرثه السياسي.
قبيل استحقاق انتخاب رئيس جديد لحزب العدالة والتنمية في 22 أيار/ مايو 2016، قام مجهولون بإنشاء مواقع على وسائل التواصل الاجتماعي بأسماء مستعارة كان هدفها النيل من رئيس الوزراء ورئيس الحزب يومها أحمد داوود أوغلو. البعض يشير بأصابع الاتهام إلى مستشار الرئيس أردوغان ييغيت بولوط بأنه وراء الحملة التي استهدفت داوود أوغلو وميراثه السياسي.
قد ينظر البعض إلى هذه الحوادث المتفرقة كتجاذبات داخلية لا تخلو منها منظومة ولا حزب سياسي. لكن أدبيات حزب العدالة والتنمية، المستقاة من إرثه الإسلامي، تعتبر مثل هذه التجاذبات في حكم المحرمات.
يمكن تفهم موقف السيد نعمان قورتولموش من المسألة السورية قبيل التحاقه بحزب العدالة والتنمية، الذي كان سلبيًا جدًا، ومنتقدًا للثورة السورية بقوة، ومتهمًا لمن قاموا بها بأنهم جزء من مخطط ومشروع الشرق الأوسط الكبير الذي يسعى من خلاله الأمريكان لتقسيم المنطقة. من الطبيعي أن يكون قورتولموش يومها من المنتقدين لسياسة الحكومة ورئيسا رجب طيب أردوغان. لكن من غير المقبول أن يحافظ على تلك المواقف بعد أن أصبح نائبًا لرئيس الوزراء، ومن غير المعقول انتقاده سياسة حكومة هو جزء منها. بل ناطق رسمي باسمها!.
لسنا هنا في هذا المقال بصدد مناقشة سياسة داوود أوغلو ولا إرثه السياسي، لكن الرجل كان قائدا ناجحا في جميع الوظائف والمناصب التي تقلدها، من السفارة للوزارة لرئاسة الحكومة. بل إنه ضرب أروع الأمثلة في النضج السياسي أثناء تخليه عن قيادة الحزب والحكومة من أجل الصالح العام!.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس