حسن بصري يالتشين – صحيفة تقويم – ترجمة وتحرير ترك برس
أينما ننظراليوم سنواجه الشائعات حول عملية الرقة المحتملة. وأنا أستخدم كلمة الشائعات بشكل متعمد، لأن الروايات التي تدور حولنا اليوم لا أساس لها و لا معنى. لكن من المؤكد أن لكل شخص غاية في الشائعة التي يصدرها. إذ بقايا عهد أوباما تحاول خلق جو التلاعب داخل الرأي العام الدولي وبين إدارة أمريكا الجديدة وأنقرة. حيث تصدر أخبار وتعليقات جديدة متماثلة بشكل مستمر. وتحاول هذه الشائعات إعطاء صورة لطيفة حول حزب الاتحاد الديمقراطي أمام الرأي العام الدولي، كما تحاول تحديد جدول أعمال الحكومة الأمريكية أيضاً. إضافةً إلى محاولتها لاستفزاز أنقرة بهدف دفعها إلى ارتكاب الخطأ في إطار علاقاتها الجديدة مع الحكومة الأمريكية.
يمكن للشائعات أن تتسبب في تلاعب بسيط، ولكن لا يمكنها أن تغيّر في جوهر المسائل الحياتية.
في حال دخول أمريكا إلى الرقة فإنها لن تقوم بذلك بناءً على الشائعات الصادرة في الصحف، إنما ستعتمد على حساباتها الخاصة في ذلك. حيث سيتدخل العقل المدبر بطريقة أو بأخرى في سير الأمور، ويبدأ بإجراء حسابات الربح والخسارة. لذلك لا تلتفتوا إلى الإشاعات. إن موقف الحكومة الأمريكية ليس واضحاً بعد. ولن يتأثر بالإشاعات، إنما بدأت بإجراء الحسابات لاتخاذ الموقف الصحيح.
أنا لا أدّعي أن نتائج الحسابات الجارية ستكون بكاملها وفق توقعات تركيا، ولكنني لا أقبل أن تكون أسوأ من سابقها أيضاً. إن تخلي أمريكا عن حزب الاتحاد الديمقراطي بشكل كامل هو احتمال ضئيل جداً. حيث لا يوجد أي معنى للتخلي عن هذه العناصر بعد تمويلها طيلة هذه المدة.
لنفكر في المسألة من منظور بسيط، في حال تخلي أمريكا عن حزب الاتحاد الديمقراطي فإن روسيا ستقوم باستغلالهم, حيث ستسنح لها الفرصة باستخدام عناصر مدربة وجاهزة. لهذا السبب على الأقل لا يمكن لأمركيا أن تتخلى عن حزب الاتحاد الديمقراطي بشكل كامل. ولا يمكننا توقع حل مثل التصفية الجذرية, لكن يمكن إدخال هذه العناصر قيد التجميد لفترة معينة ضمن إطار الاحتمالات الموجودة.
لا داعي للتشاؤم، لأن أمريكا لن ترغب في التخلي عن تركيا. لا تزال تركيا الجيش الأكبر والأقوى في المنطقة، إضافةً إلى أنها الجارة الكبرى للحدود السورية أيضاً. وتسيطر على مساحة تمتد إلى ما يقارب ألفي كيلو متر مربع في الداخل السوري. كما أنها تستقبل أكثر من 3 ملايين لاجئ داخل أراضيها. وتعد الدولة الوحيدة التي تملك حدوداً مع الشرق الأوسط بين الدول المنتمية إلى حلف الشمال الأطلسي.
ولا تزال قاعدة إنجرليك تحمل أهمية كبيرة بالنسبة إلى الأمريكيين. نعم، قامت أمريكا بتمويل حزب الاتحاد الديقمراطي لمدة 5 سنوات، إلا أنها حليفة تركيا منذ مدة 60 عاماً. لكن علينا أن نأخذ هذا الأمر بعين الاعتبار, تركيا حليف مهم جداً بالنسبة إلى أمريكا ولكنها ليست عنصرا لا يمكن التخلي عنه بالنسبة إليها أيضاً. حيث يمكن لأمريكا أن تختار الدخول إلى الرقة من دون التعاون مع تركيا. لا بد من معرفة قيمة تركيا بالنسبة إلى أمريكا ولكن دون المبالغة في الأمر.
لنتذكر حرب العراق عام 2003. حيث دخل الجيش الأمريكي إلى العراق من جهة واحدة "الجنوب" عندما تم رفض رسالة 1 مارس / آذار الرسمية في البرلمان التركي. يمكننا مناقشة الثمن الذي دفعته أمريكا نتيجة هذا الدخول، لكن يجب ألا ننسى أنه يمكن لأمريكا أن تختار الدخول إلى الرقة لوحدها بطريقة أو بأخرى في حال شعورها بالاضطرار إلى ذلك. خصوصاً عند وجود رئيس متحمس لاتخاذ قرارات راديكالية ومتطرفة مثل ترامب، فإنه يكون على استعداد لتجربة أي شيء.
لكن لا بد من أخذ أمر آخر بعين الاعتبار, لا يمكن إنهاء الحرب في سوريا من دون دخول تركيا أيضاً. لن تنتهي الحرب في سوريا، كما لم تنته مثيلتها في العراق. حتى إنّ وزير الدفاع الأمريكي "دونالد رامسفيلد" يعترف اليوم بالثمن الباهظ الذي تسبب به دخول أمريكا إلى العراق من الجنوب.
هرب الجيش العراقي من الجنوب إلى الشمال واختبأ داخل أنفاق تحت الأرض وحارب لعدة سنوات. في الحقيقة، إن الحرب لا تزال مستمرة. حيث سيؤدي إبقاء تركيا خارج الأحداث إلى حدوث مشاكل أعمق هذه المرة. ستصبح أمريكا معزولة ولن يبقى معها سوى حزب الاتحاد الديمقراطي.
وقد تضطر أمريكا وحزب الاتحاد الديمقراطي إلى محاربة الامتدادات الإرهابية لداعش وإيران وروسيا في سوريا.
يرى الأمريكان هذا الواقع، وفي حال عدم رؤيتهم له أو محاولتهم للقيام بمثل هذا الهراء، عندها سيزداد الثمن الذي ستدفعه تركيا أيضاً، ولكن لن ينتهي كل شيء. على العكس تماماً، ستقوم تركيا بزيادة قوتها في الساحة. كما أقول دائماً: إن الوقت يجري لصالح تركيا بعد عملية درع الفرات في سوريا.
إن السعي إلى إيجاد حل لا يتضمن تركيا داخله سينقل الحرب الأهلية في سوريا إلى مراحل جديدة. لذلك لا بد من الهدوء خلال هذه المرحلة. يجب عرض الحلول البديلة على أمريكا، والإشارة إلى أن تركيا جاهزة للمفاوضة. كما يجب إظهارعدم وجود الحل في سوريا من دون تدخل تركيا. لكن في حال عدم حدوث هذه الأشياء، لا بد من الاستعداد لصراع سيستغرق وقتاً طويلاً.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس