رحيم إر - ترجمة وتحرير ترك برس
شهدت منطقة الإدارة الذاتية الكردية في شمالي العراق، حادثة غريبة في آذار/ مارس الماضي. حيث اقتحم مسلحون يتبعون للاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال الطالباني مراكز توزيع النفط في كركوك، وأغلقوا العنفات التي تضخ النفط إلى ميناء جيهان التركي.
لم تقف تلك الممارسات التي يمكن وصفها بغريبة الأطوار عند هذا الحد. فما أن أشرق صباح 16 آذار/ مارس الماضي، إلا وأعلن "نجم الدين كريم"، محافظ كركوك المنتمي للمكون الكردي، عن قرارٍ مثير للجدل، وقام بإرساله إلى مجلس المحافظة ليتم المصادقة عليه.
ويقول كريم في قراره: "من الآن فصاعدًا سوف يتم رفع العلم الكردي على جميع المؤسسات الرسمية في محافظة كركوك إلى جانب العلم العراقي". لكن المحافظ نفسه، لم ينتظر حتى مصادقة مجلس المحافظة، ورفع العلم الكردي على قلعة كركوك التاريخية في 20 آذار/ مارس الماضي.
عقد مجلس محافظة كركوك المكون من 41 عضوًا، اجتماعًا يوم 28 آذار/ مارس، لم يشارك فيه الأعضاء الممثلون للمكونات العربية والتركمانية والآشورية، احتجاجًا على قرار المحافظ.
من جهته، ألقى رئيس ريبوار الطالباني، رئيس مجلس محافظة كركوك وأحد أقارب جلال الطالباني، كلمة شدد خلالها على أهمية مصادقة المجلس على قرار المحافظ. تم قبول القرار بموافقة 26 عضوًا جميعهم من الأكراد.
مثل هذا القرار مخالف للدستور العراقي.
كركوك هي مدينة ذات وضع خاص.
التركمان ما زالوا حتى يومنا هذا يشكلون غالبية سكان منطقة القلعة في المدينة ذات 850 ألف نسمة.
يعتبر التركمان كركوك عاصمتهم في العراق، فيما تعتبر الدولة العراقية المدينة عاصمة البلاد الثقافية. كما يعمل في المدينة ممثل للأمين العام للأمم المتحدة لمراقبة الوضع الخاص بالمدينة.
من جهته، أكّد الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق يان كوبيس، قلق المنظمة الدولية إزاء رفع محافظ كركوك العلم الكردي فوق قلعة المحافظة، وقال إن "هذه الخطوة أحادية الجانب قد تسبب خطورة على حالة التعايش السلمي". مشيرًا أن كركوك ووفق الدستور العراقي تقع ضمن صلاحيات الحكومة المركزية في بغداد، وأنه لا ينبغي رفع أي علم في المحافظة غير علم العراق.
كما شدد كوبيس، على أن أي تعديل على الوضع الخاص الذي تتمتع به كركوك، غير ممكن دون إجراء استفتاء في عموم العراق وفق المادة 140 من الدستور العراقي، معتبرًا رفع العلم الكردي من قبل المحافظ على أنه محاولة فرض أمر واقع.
في الوقت الراهن، يرفع العلم الكردي على القلعة والدوائر الرسمية والمواقع التابعة لقوات البيشمركة. ورغم ذلك فإن محافظ كركوك يبدو غير راضٍ تمامًا ويريد المزيد. حيث أصدر تعميمًا يقضي بتضمين اللغة الكردية إلى جانب العربية في جميع المراسلات والمنشورات الرسمية في الولاية، موجهًا تحذيرًا بمعاقبة كل من يخالف تلك التعليمات.
وللتذكير، فإن أزمة علم أخرى شهدتها المنطقة خلال زيارة أجراها مسعود بارزاني منذ فترة إلى أنقرة. حيث لوحظ وجود علم منطقة الحكم الذاتي الكردية خلال الجلسات الرسمية التي عقدها مع المسؤولين الأتراك، ما أثار جدلا داخل تركيا. في الواقع كان هدف مسعود بارزاني وقتها، إرسال رسالة إلى شعبه.
بات معلومًا من قبل الجميع، أن هناك شخصيتان مستهدفتان في المنطقة. هما الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس الإقليم الكردي في شمال العراق مسعود بارزاني. فبارزاني يقف على النقيض تمامًا من المتشددين القوميين الملحدين من الأكراد. كما أن بارزاني، لا يملك علاقات طيبة مع جلال طالباني وحزبه حزب الاتحاد الوطني الكردستاني وهما في حالة تنافس في الساحة الكردية. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن طالباني وحزبه، مقربان من تنظيم "بي كي كي" الإرهابي.
على العموم، إن توقيت قرار محافظ كركوك وإجراءاته عقب نجاح عملية درع الفرات وقرب حلول موعد الاستفتاء على النظام الرئاسي في تركيا (16 نيسان/ أبريل الجاري) يسترعي الانتباه. فحلم الممر الذي كان سيفتَح من شمال العراق إلى إسكندرون والدويلة كردية الاشتراكية قد انتهى، وكذلك حلم السيطرة اليهودية على ممرات النفط في هذه المنطقة.
بعد انهيار الحلم السابق، تم وضع حلم آخر يثير الحماسة، ويخلق أزمة بين تركيا وشمال العراق، أي بين أردوغان وبارزاني. يريدون جر الجيش التركي والبيشمركة إلى حرب تعطي فترة نقاهة للتنظيمات الإرهابية مثل "بي كا كا" و"ب ي د" وغيرها، وتعطي جرعة أمل لإمكانية إعادة تنفيذ الحلم المنهار. وليس لذلك أن يتم بدون اقتتال بين الأتراك (التركمان) والأكراد وقطع خط نفط كركوك.
يجب قراءة الأحداث بصبر وعناية، لنتمكن من رؤية الفخاخ المنصوبة. يجب تعزيز وحدة الصف بين التركمان والعرب والآشوريين، وحكومة مسعود بارزاني، لمواجهة المكائد التي تعمل بعض الجهات على تحقيقها ضد تركيا، انطلاقًا من تلك المنطقة.
فالقضية ليست قضية علم، وليست قضية مسألة كردية.
القضية قضية نفط.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس