
سمير التقي - ميدل إيست بريفينج - ترجمة وتحرير ترك برس
لم تنجح الولايات المتحدة وتركيا في إقامة شراكة في الشرق الأوسط قادرة على استيعاب مختلف وجهات النظر والمصالح الإقليمية. ولم يسهم انهيار الاتحاد السوفياتي في تحقيق ذلك. وقد قرّب الربيع العربي 2011 بين البلدين إلى حد ما لمدة قصيرة، حيث أملت الولايات المتحدة في أن تتبنى القوى الإسلامية الإقليمية الصاعدة النموذج التركي.
خلال الحقبة السوفيتية أسهمت الحرب الباردة في تحويل الجيش التركي إلى "أقوى وأكبر حام موثوق للحضارة الأوروبية"، كما قال الرئيس آيزنهاور. وقد أتاح التهديد السوفياتي للبلدين الحفاظ على تحالفهما القوي خلال الأوقات المضطربة، مثل الأزمة القبرصية في النصف الأول من ستينيات القرن الماضي، ثم التدخل العسكري التركي في قبرص عام 1974، على الرغم من تحذير الرئيس نيكسون.
ليس من الواضح في الوقت الحالي ما إذا كانت درجة التحديات الروسية الحالية التي تواجهها الولايات المتحدة في قيادة النظام الإقليمي، وصعود الإرهاب الجهادي، ستحل محل تهديدات الاتحاد السوفيتي في الإبقاء على التحالف بين تركيا والولايات المتحدة، في الوقت الذي تتباين فيه مواقفهما.على أن هناك مؤشرات للمرونة تظهر لدى الجانبين في علاقاتهما المتبادلة، وهي دلائل على محاولة ناضجة للتكيف مع الحقائق الجديدة. وعلاوة على ذلك، فإن عدم نجاح الإسلام السياسي في الحفاظ على السلطة قد يجبر أردوغان على التركيز على محيطه وليس على المنطقة بأكملها.
ما يشغل جدول أعمال الرئيس التركي في الوقت الحاضر هو الدعم الأمريكي لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني ووحدات حماية الشعب في سوريا. تحولت الأزمة السورية من مشروع لتعزيز الموقف التركي في الشرق الأوسط إلى كابوس أمني للأتراك.
ما لم تعالج قضية حزب العمال الكردستاني في سوريا بطريقة مباشرة، فستبقى احتمالات حدوث تغييرات مفاجئة في علاقات أنقرة مع الولايات المتحدة مفتوحة. يقول الأتراك إنهم لا يناهضون ألأكراد كونهم أكرادا، لكنهم يناهضون حزب العمال الكردستاني الانفصالي. ويدعمون هذا الادعاء بالإشارة إلى علاقاتهم القوية مع حكومة إقليم كردستان الكردي في العراق ورئيسه مسعود بارزاني.
وإذا كان من الواضح أن روسيا ليست الاتحاد السوفيتي، فإن الديناميات الكامنة وراء العلاقة الأمريكية التركية لها أبعاد إقليمية وعالمية عديدة. ولكن المتغير المستقل، في هذا السياق، ما يزال العلاقات الروسية الأمريكية. ومن المرجح أن لا يلعب التصويت على الاستفتاء في تركيا أي دور كبير في تحديد العلاقات الأمريكية التركية في المستقبل القريب، لكن على المدى الأطول سيعرف ذلك بدرجة نجاح، الولايات المتحدة وروسيا أو فشلهما في التوصل إلى طريقة عمل عالمية.
وبينما كان لافروف يجتمع مع ظريف ووليد المعلم في موسكو في 14 أبريل/ نيسان، التقى وزير الدفاع جيمس ماتيس نظيره التركي فكري إيشيك. وقبل أسبوعين من اجتماع ماتيس - إيشيك في واشنطن، كان وزير الخارجية ريكس تيلرسون في أنقرة. كانت القضية المركزية في اجتماعات المسؤولين هي المشروع التركي لإنشاء "مناطق استقرار" في سوريا، يمكن لتركيا أن تلعب دورا فيها، وبالتالي الحفاظ على أمن حدودها الجنوبية.
قد يبدو غريبا أن تيلرسون كان يعمل مع الروس على نهج مختلف للأزمة السورية،لكن هذين المشروعين في الواقع ليسا متناقضين. من وجهة نظر تركيا فإن أزمة سوريا عموما تختلف نسبيا عن أزمة شمال سوريا. ونظرا لتوسع حزب العمال الكردستاني، فإن شمال سوريا يشكل أكبر تهديد مباشر للأمن القومي التركي.
لكن حتى "مناطق الاستقرار" لا توفر لتركيا حلا نهائيا لمشكلتها، ولا تعالج المشكلة الأساسية لحزب العمال الكردستاني. وبمجرد هزيمة داعش، فإن انتزاع الأراضي التي يهيمن عليها حزب العمال الكردستاني سيكون القنبلة الموقوتة التي تجعل الأزمة المقبلة مؤكدة.
تمثل تركيا أهمية بالغة لروسيا أيضا، وحاجزا بين روسيا والغرب، لكن موسكو ترى من الحكمة أن تتمهل وترى أين ومتى سيتحرك الأمريكيون. وهذا لن يدوم إذا حدث تفاهم مشترك بين البلدين فيما يتعلق بسوريا.
إذا استمرت الخلافات بين القوتين العظميين، فإن تركيا يمكن أن تتجه صوب أوراسيا، وفي حال التوصل إلى اتفاق، فإن تركيا ستفقد جزءا كبيرا من هامش المناورة لديها. وإذا حدث ذلك، ستبقى قاعدة إنجيرليك كما هي. قد تكون الولايات المتحدة تبحث حاليا عن بدائل أخرى، لكن ذلك بالتأكيد ليس سوى خطة طوارئ.
سيصبح النهج الذي ستسير عليه الولايات المتحدة في سوريا في مقدمة العناصر المتعلقة بالسياسات التركية المستقبلية بعد الاستفتاء. فإذا حصل مشروع إنشاء " مناطق استقرار" على تأييد، فإن هذا يعني تشكيل نوع من القوات المحلية لحماية تلك المناطق. هذه هي فرصة تركيا لضمان وجود قوات صديقة لرعاية الجانب الآخر من حدودها وصد وحدات حزب العمال الكردستاني.
كشف وزير الخارجية التركي، مولود تشاويش أوغلو، ما يدور حاليا في عقول المسؤولين الأتراك في هذا الصدد حين صرح بأنه "يجب إنشاء مناطق سكنية هناك، وتقول الولايات المتحدة نفس الشيء، مضيفا أنه ينبغي تدريب القوات المحلية التى ستُنشر لتوفير الحماية هناك وتجهيزها، موضحا أنه سيتم تخفيض عدد القوات أو انسحابها بالكامل بعد أن تتمكن القوات المحلية من السيطرة على هذه المنطقة"
يلخص تصريح أوغلو تطلعات تركيا في سوريا في الوقت الحالي، فقد استبعد الهدف القديم المتمثل في إقامة نظام بديل يكون مقربا من أنقرة، وكل ما تريده تركيا في الوقت الحاضر يرتبط مباشرة بأمنها القومي. كانت هذه نقطة تحول مهمة، على الرغم من أننا نعتقد أن الهدف القديم لم يستبعد تماما نظرا لتعقيد الأزمة السورية ووجود العديد من الجماعات المسلحة القريبة من أنقرة.
ومن بين العناصر الجوهرية الأخرى في السياسات التركية في مرحلة ما بعد الاستفتاء علاقات أنقرة مع الاتحاد الأوروبي. ونعتقد أن الاتحاد الأوروبي أخفق في إدارة علاقاته مع تركيا بطريقة حساسة أو مركزة. ومن الواضح أن جانبا من هجمات أردوغان الكلامية على الاتحاد الأوروبي خلال حملة الاستفتاء يمكن فهمها من وجهة نظر انتخابية. ولكن الشعور بالمرارة في كلا الجانبين عميق وحقيقي.
ينبغي مناقشة سوء إدارة الاتحاد الأوروبي لعلاقاته مع تركيا في إطار الاتحاد الأوروبي أولا. وقد اتخذت هولندا والنمسا وألمانيا مواقف مريبة للغاية من الاستفتاء دون التفكير في مشاكل ما بعد الاستفتاء. ومن المتوقع الآن أن يسحب أردوغان طلب تركيا الذي قدمته منذ أكثر من نصف قرن للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
يبقى أن سحب طلب انضمام تركيا إلى الاتحاد هو، في جوهره،مسألة رمزية؛ ذلك أن التجارة والاستثمارات مهمة جدا للجانبين. لكن تركيا سوف تجعل من الصعب على الأوروبيين أن يعتمدوا على موقفها في أي قضية جيوستراتيجية أو اقتصادية.
وكما نرى، فقد كانت جميع القضايا المتعلقة بسياسات تركيا بعد الاستفتاء موجودة قبل الاستفتاء، بيد أن الفارق الآن هو أن أردوغان سيكون لديه هامش أكبر لاتخاذ قرار بسرعة. ومهما يكن من أمر فإن النهج الصحيح لدى أردوغان هو محاولة صياغة سياساته المستقبلية قدر الإمكان. الجميع يحتاجون إليه، ولا سيما من يقولون إنهم يكرهونه. وإذا نحيت العواطف جانبا، فإنهم يدركون أن تركيا ذات أهمية استراتيجية بالغة بحيث لا يمكن استبعادها ، وأن هناك قضايا مهمة تعتمد على الدور الإيجابي التركي.
تركيا تتغير، لكن أهدافها لم تتغير الآن عما كانت عليه في الأسبوع الماضي، ولا ينبغي توجيه اللوم إلى بلد يسعى إلى الدفاع عن أمنه وكرامته. بالإمكان تحقيق أهداف تركيا كلها دون الإخلال بأي خطط غربية أخرى، بيد أن تحقيقها يحتاج إلى نهج واقعي من أنقرة ومن الآخرين أيضا.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مواضيع أخرى للكاتب
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس