ماركو بيترلي - إيست واست - ترجمة وتحرير ترك برس 

يمثل شراء منظومة الدفاع الصاروخية الروسية الحديثة إس- 400 تحدياً كبيراً بالنسبة لتركيا أمام القيود التي فرضها الناتو، وقد قبلت الشروع فيه على الرغم من أن ما تسعى إلى جلبه لا يتوافق مع الترسانة التركية. ولكنها تبقى خطوة جريئة ستعود على تركيا بالفائدة السياسية والعسكرية.

قبل سنتين، حذر الكرملين من هذه المنظومة وقال في تعليقه على قوة البطاريات الجديدة المعززة للدفاعات الجوية الروسية، إن "صواريخ إس 400 قادرة على ضرب الطائرات من الجيل الرابع". كما أشار الكرملين إلى أن هذه المنظومة ستعمل على تعويض النظم، التي أظهرت قابلية للإصابة، على غرار بوينغ آف 18، وآف 16، وهارير، وبانافيا تورنادو، وداسو ميراج 2000، والطائرات المصممة في سبعينيات وتسعينيات القرن العشرين، واستبدالها بطائرات الجيل الخامس.

وبالتالي، يمكن القول إن منظومة الصواريخ الروسية الحديثة إس-400 يمكن أن تشكل خطرا حقيقيا على أعضاء حلف شمال الأطلسي، باستثناء تركيا التي أظهرت على مدى 12 شهرا الماضية اهتمامها المتواصل بالأسلحة روسية الصنع.

وتجدر الإشارة إلى أن اهتمام الرئيس التركي بالأسلحة الروسية ومنظومة الصواريخ إس- 400، يتسم بالغموض، وذلك لسببين اثنين. أولا، تحتاج تركيا إلى تجهيز نفسها بالأسلحة، على الرغم من أن تواجدها كعضو في منظمة حلف شمال الأطلسي يفرض عليها الحصول فقط على الأسلحة التي تخضع للمعايير المعمول بها داخل المنظمة.

أما ثانيا، تسعى تركيا إلى الانفتاح على روسيا، التي تعتبر عدوها التاريخي منذ الحروب العثمانية، وذلك للنفوذ الذي تملكه على البحر الأسود، وهيمنتها على الحرب السورية. مع ذلك، نقلت صحيفتا حرييت التركية وديلي نيوز تصريحات للرئيس التركي، بتاريخ 12 أيلول/ سبتمبر الجاري، بين فيها أن توقيع تركيا على أول صفقة لشراء منظومة الصواريخ إس- 400، كان بدافع "الدفاع عن أمن تركيا".

في الواقع، سعى الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إلى العمل على هذا المبدأ منذ سنة 2013. خلال تلك السنة، أمر بشراء النسخة الآسيوية من منظومة الصواريخ إس- 300،  إتش كيو-9، من الشركة الصينية لاستيراد وتصدير الآلات الدقيقة، مقابل حوالي ثلاثة مليار دولار، ومن ثم ألغيت الصفقة في سنة 2015، وأُعلن في سنة 2016، عن إمكانية قيام القوات المسلحة التركية بتجهيز نفسها بهذه المنظومة، مرة أخرى.

علاوة على ذلك، نقلت تقارير صادرة عن وكالة تاس الروسية للأنباء، في آذار/ مارس الماضي، تصريحا للمدير العام لشركة روستاك، سيرغي تشيميزوف، أفاد فيها بأن "الأتراك قد أعربوا عن رغبتهم في الحصول على قرض، ولكن المشكلة لم تحل". لذلك، من المرجح أن يكون شراء منظومة الصواريخ الروسية إس- 400 موضوع القرض.

 بطبيعة الحال، لن تقبل لجنة التنسيق، التابعة لمنظمة حلف شمال الأطلسي، والتي تتعامل مع ضوابط صارمة فيما يتعلق بالتوافقية، والسياسة، وإدارة النظم المقدمة لأعضاء التحالف، امتلاك تركيا للأسلحة الروسية. ولكن نظام لجنة التنسيق لم يكف لأجل تغيير خطة الرئيس أردوغان، ولكن مفهوم الدفاع الجوي والفضائي، الذي انضم إليه الطيران التركي في سنة 2002، فضلاً عن قيادة أراضي الحلفاء في أزمير، مع رادار من نوع آن/ تبي2، كان كافياً لتذكر السندات والدبلوماسية والعسكرية بين أنقرة والتحالف.

وعلى ضوء هذه المعطيات، نطرح هذا التساؤل: هل أخذ الرئيس التركي بعين الاعتبار العواقب المحتملة لهذه الصفقة على علاقته بالاتحاد الأوروبي؟ نعم. في الواقع، لم يهتم الرئيس أردوغان بالصفقة الروسية بقدر اهتمامه بعلاقته مع الاتحاد الأوروبي، خاصة أن الدول الأعضاء أصبحت على علم بالصفقة، وخاصةً ألمانيا، ومساعيها تجاه دولته.

في حقيقة الأمر، دائماً ما يتزامن "خطر" لجوء الرئيس التركي إلى روسيا مع الأوقات التي تشهد فيها الدولة توترا في العلاقات مع دول الاتحاد الأوروبي. في تموز/ يوليو الماضي، على سبيل المثال، أعربت برلين عن قلقها بشأن مصير النشطاء الألمان، الذين كانوا مسجونين في جناق قلعة، مشيرة إلى أنها سوف تضطر إلى مراجعة خطط الائتمان للشركات التركية.

لذلك، من المرجح جداً أن تجذب منظومة الصواريخ الروسية الحديثة إس- 400 اهتمام الأوساط الإعلامية والدبلوماسية على دولة تزداد امتناعها وعزوفها كل يوم عن التقرب من الاتحاد الأوروبي.

في غضون أربع سنوات، لن يتوصل الجانب التركي إلى توقيع العقود، وهذا يعتبر علامة ملموسة تؤكد على أن أعضاء الجيش والحكومة نفسها يدركون عدم جدوى البطاريات المضادة للطائرات، التي تتعارض مع الأسلحة التي تملكها القوات المسلحة في حوزتها. بالإضافة إلى ذلك، حتى وإن فكرت تركيا في بيع هذه الأسلحة إلى المجموعات المعادية للأسد، فذلك سيأتي بنتائج عكسية: بما أن استعمال الأسلحة سيتطلب المهارة والتدريب اللازمين، وبما أن الروس يقاتلون في سوريا، لن تعترف روسيا بأصل تلك الدفعة، وستشير بطبيعة الحال إلى تركيا.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس