ترك برس
نشرت صحيفة كريستيان ساينس مونيتور الأمريكية تقريرا عن التحرك التركي العسكري في محافظة إدلب شمالي سوريا في إطار تفاهمات أستانا، رأت فيه أن هذا التحرك علامة على أن روسيا تعيد تشكيل سوريا، وعلى إدراك تركيا بأن أفضل سبيل لحماية مصالحها في سوريا لا يأتي بالمحادثات مع واشنطن وغيرها من عواصم الناتو.
وكتبت دومينيك سوغويل أن تركيا راقبت بقلق الولايات المتحدة حليفتها في حلف الناتو وهي تسلح مباشرة الميليشيات الكردية وتقدم دعما متزايدا لها. ولذلك عندما أرسلت أنقرة قوات عسكرية إلى محافظة إدلب التي تسيطر عليها المعارضة هذا الشهر، فإن هذه الخطوة تعد منطقية، حيث صارت القوات التركية على مقربة من جيب عفرين الذي يضم فصيلا كرديا سوريا، وهو حزب الاتحاد الديمقراطي الذي تسلح أمريكا جناحه العسكري.
ونوهت سوغويل إلى أن التوغل العسكري التركي في المحافظة السورية الشمالية الغربية يمثل تحولا كبيرا في التفكير التركي، والتغيير الأكثر دراماتيكية في ميزان القوى في سوريا.
عملية أستانا
تقول جونول تول، مديرة مركز الدراسات التركية في معهد الشرق الأوسط في واشنطن: "بعملية إدلب أصبح واضحا أن تركيا تعمل الآن تحت المظلة الروسية في سوريا. اتخذ الرئيس الأمريكي ترامب قرارا بتعزيز التحالف مع الأكراد، وهذا ما أشعر تركيا أنها محاصرة وليس أمامها مفر إلا التحول إلى روسيا وإيران".
تنسجم عملية إدلب مع العملية الدبلوماسية في أستانا، كما تنسجم مع الاستراتيجية الروسية الأوسع نطاقا التي تأتي في مقدمتها الهدنة المحلية في سوريا للحد من العنف وتقليص المكاسب الإقليمية التي حققتها مجموعة القوى الداعمة للحكومة السورية.
ولم تهدف محادثات أستانا التي تقودها روسيا، في الوقت الحاضر، إلى التوصل إلى سلام شامل أو التوصل إلى حل سياسي للنزاع السوري. غير أنها من خلال جمع الفصائل المتحاربة إلى طاولة المفاوضات نجحت في تغيير الحقائق على أرض الواقع.
الرياح المعاكسة في جنيف
تتناقض محادثات أستانا، كما تقول، سوغويل، تناقضا حادا مع العملية الدبلوماسية التي تقودها الأمم المتحدة في جنيف منذ سنوات، لكنها نجحت بطريقة ما في تحقيق ما لم يقدر عدد من مبعوثي الأمم المتحدة على تحقيقه، حتى في الأوقات القصيرة التي حظيت فيها عملية جنيف بدعم رفيع المستوى من الولايات المتحدة.
بدأت محادثات جنيف عام 2012، وتعثرت باستمرار بسبب عدم رغبة نظام الأسد في التفاوض على أي قضايا جوهرية، وفي ظل معارضة ضعيفة ومقسمة، وانخفاض مشاركة الولايات المتحدة.
وعلى النقيض من ذلك، كانت أستانا أكثر تواضعا في طموحاتها وأصبحت المكان المناسب للمحادثات العسكرية.
يقول سلمان شيخ، الخبير في الشأن السوري، ومدير مركز بروكينغز الدوحة سابقا ،إن اتفاقيات الهدنة ووقف إطلاق النار صمام يمكن للروس والنظام أن يفتحوه أو يغلقوه، مشيرا إلى الطبيعة المؤقتة لوقف إطلاق النار".
الكرة في ملعب روسيا
مع هزيمة داعش في الرقة، يأمل المراقبون أن تشارك واشنطن والعواصم الغربية بشكل أكثر جدية في البحث عن حل للصراع في سوريا الذي دخل الآن عامه السابع، بيد أنهم يجمعون على أن أي عملية سياسية لن تمضي قدما دون تأييد موسكو.
ويقول نوح بونسي، كبير محللي "مجموعة حل الأزمات الدولية" للشؤون السورية إنه من المستحيل في هذه المرحلة تحديد ما إذا كانت محادثات أستانا سوف تغذي عملية جنيف. وأكد أن الكرة في ملعب روسيا، بناء على قدرتها على جلب دمشق وطهران إلى جنيف.
وأضاف أن "جنيف لم تكن فعالة على الإطلاق في تشكيل الأحداث على الأرض، كما أنه لا يمكن التوصل إلى اتفاق تفاوضي يفتقر إلى الإرادة السياسية لدى الأطراف الداخلية والخارجية للصراع".
وتتعرض المعارضة السورية لضغوط لاتخاذ نهج أكثر واقعية ووحدة في جنيف. وتقول جونول تول إن حدود التحالف الروسي- التركي- الإيراني ستحدد إلى أي مدى ستذهب طهران وموسكو لمعالجة المخاوف التركية إزاء النفوذ المتزايد للأكراد السوريين. ويبدو أن طهران تتشاطر قلق أنقرة بشأن الحكم الذاتي الكردي المتنامي.
روسيا، من جانبها، ترى الأكراد ورقة تستخدمها ليس ضد تركيا فقط، ولكن ضد الولايات المتحدة أيضا. وأثار إعلان صدر أخيرا عن نظام الأسد يبدي فيه استعداده لمناقشة الحكم الذاتي مع الأكراد قلق أنقرة.
هل يمكن لأستانا أن تساعد جنيف؟
يحذر نوح بونسي من أنه في الوقت الذي تنجح فيه الشراكة بين أنقرة وطهران في أستانا بفضل هيمنة روسيا على هذه العملية، فما تزال هناك فجوة بين مواقفهما، والتنافس الواضح بينهما للتأثير في شمال سوريا. ويعتقد كلاهما أن أستانا يمكن أن تساعد على إرساء الأسس لتحقيق مزيد من النجاح في عملية جنيف المستمرة في غياب نهج أفضل.
ويتفق المحللون على أن العملية السياسية لن تبدأ إلا بعد أن تصبح الحقائق العسكرية على أرض الواقع مرضية لروسيا والنظام. والسؤال المطروح هو ما إذا كانت ستفعل ذلك في جنيف.
ويقول نوح الشيخ إن التحدي الحقيقي الآن هو كيفية تحويل الجهود المحلية التي ساعدت على الحد من العنف إلى خطة وطنية شاملة، وليس مجرد تخفيف التصعيد ووقف إطلاق النار، وإنما خطة تتناول الحكم المدني.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!