حسن بصري يالتشين – صحيفة تقويم – ترجم وتحرير ترك برس
لا يمر يوم واحد من دون أن يظهر شخص حاد الذكاء بمقارنات بسيطة جديدة. تتولد الآلاف من الأفكار الجديدة من خلال المقارنات فيما يخص السياسة الخارجية. ففي الآونة الأخيرة ظهر شخص جديد جاء برأي جديد، وهذه الرأي يزعم أن تركيا تغضب من دعم أمريكا لبي كي كي وحزب الاتحاد الديمقراطي، لكنها لا تغضب من روسيا على الرغم من أن الأخيرة أيضاً تدعم التنظيمين الإرهابيين، لذلك يجب على تركيا إما أن تقطع علاقاتها مع روسيا أيضاً أو أن تغض النظر عن الأضرار التي تتسبب بها أمريكا.
لا أعرف ما الفوائد التي سيجنيها هذا الشخص من خلال طرح هكذا أفكار. لكن من الواضح أنّه يطرح الأفكار والآراء جزافا. أنهى المقارنة واعتقد أنه أصبح ذو تفوق منهجي في أسلوب المقارنة. لكنه لا يدرك هفواته واخطائه جرّاء قيامه بهذه المقارنة، حتى إنني أشك بأنه يدرك أن المقارنة في مثل هذه الأمور تنتسب إلى شيء يعرف بـ "علوم السياسة". طارح هذه الفكرة يعتقد أن المقارنات السياسية مسألة بسيطة جداً. "روسيا وأمريكا تدعم حزب الاتحاد الديمقراطي، لذلك إما أن نقطع علاقاتنا بالطرفين معاً أو أن نرضى بما يفعله الطرفان إذن".
المزاعم في خصوص التحالف بين أمريكا وحزب الاتحاد الديمقراطي
من أين سنبدأ بتصحيح هذه المزاعم؟
أولاً، أمريكا تدعم حزب الاتحاد الديمقراطي بشكل مباشر. بينما تلجأ روسيا إلى أسلوب الدعم بشكل خفي وبسيط وليس علانية. وهناك فرق كبير بين الخطين السياسيين. أمريكا تدعم حزب الاتحاد الديمقراطي بالأسلحة الثقيلة. إذ وصلت أعداد الشاحنات الأمريكية التي نقلت السلاح لحزب الاتحاد الديمقراطي إلى 3 آلاف على الأقل، بالإضافة إلى أنّ أمريكا تدرّب عناصر حزب الاتحاد الديمقراطي منذ أعوام، فبحسب المزاعم ما يقارب الـ 50 ألفاً من عناصر حزب الاتحاد الديمقراطي يخضعون للتدريب من قبل أمريكا، تسعى أمريكا من أجل إضفاء الشرعية على حزب الاتحاد الديمقراطي. أما بالنسبة إلى روسيا فيمكن القول إنها وضعت مسافات كبيرة بينها وبين حزب الاتحاد الديمقراطي في هذا الصدد. إن حزب الاتحاد الديمقراطي بالنسبة إلى روسيا عبارة عن أداة يمكن استخدامها في بعض الأحيان ضد تركيا، وليس شيئا لا غنى عنه بالنسبة إلى روسيا.
في الواقع تركيا لديها خلافات عديدة مع أمريكا وحزب الاتحاد الديمقراطي، ولكن هذه الخلافات أقل من الخلافات الموجودة بينها وبين روسيا. هذه المسائل ليست على أجندة الأعمال الحالية، لكن سرعان ما سيبدأ نظام الأسد بالمطالبة بالمناطق المحتلة من قبل حزب الاتحاد الديمقراطي. أصبحت المواجهة بين نظام الأسد وحزب الاتحاد الديمقراطي أمراً لا مفر منه. عند النظر إلى المشهد السياسي من هذا المنظور فإن حزب الاتحاد الديمقراطي هو حليف أمريكا وليس روسيا. لذلك يتسبب هذا الواقع في إفساد العلاقات الأمريكية-التركية.
حزب الاتحاد الديمقراطي ليس المشكلة الوحيدة
ثانياً، لا يمكن اعتبار قضية بي كي كي وحزب الاتحاد الديمقراطي هي المشكلة الوحيدة بين تركيا وأمريكا. إذ لا تكتف أمريكا بدعم حزب الاتحاد الديمقراطي فقط، بل تستقبل عناصر تنظيم الكيان الموازي أيضاً داخل حدودها. كما أن أمريكا لم تتخذ أي خطوة ملحوظة في خصوص إعادة زعيم تنظيم الكيان الموازي إلى تركيا على الرغم من جميع الجهود التي بذلتها تركيا في سبيل المفاوضة. من جهة أخرى تسعى أمريكا للضغط على تركيا من خلال قضايا "رضا زراب" و"هالك بنك". أما بالنسبة إلى المشاكل الموجودة بين روسيا وتركيا بصرف النظر عن مسألة سوريا فهي مسائل بسيطة جداً. لهذا السبب فإن العلاقات التركية-الأمريكية أكثر توتراً من العلاقات التركية-الروسية.
روسيا منفتحة للمفاوضات
ثالثاً، موقف أمريكا غير قابل للتفاوض، بينما موقف روسيا قابل للتفاوض. أي إن أمريكا تفضّل خداع وإلهاء تركيا كلما لجأت الأخيرة لتطوير العلاقات مع أمريكا. ولا تقدّم أي تنازلات عن موقفها. من جهة أخرى روسيا منفتحة للمفاوضات على الرغم من أنها تقف في الصفوف المعارضة لتركيا. إذ كانت عملية درع الفرات ناتجاً لمثل هذه المفاوضات أيضاً. أمريكا تريد أن تأخذ دون مقابل. أما روسيا فإنها تفضّل المساومة والتعاون المتبادل. يبدو أنه لا يمكن لتركيا التعاون مع أمريكا حتى في إطار الحوار ما دامت أمريكا تستمر بالثبات على موقفها المذكور.
بطبيعة الحال ستكون هناك مسائل عديدة لن تتمكن روسيا وتركيا من الاتفاق في خصوصها. لكن المباردة المشتركة لاتخاذ خطوات ناجحة ستكون مكسباً لكلا الطرفين.
الخلاصة، أمريكا أم روسيا؟.. بالتأكيد تركيا. لكن في الوقت الحالي روسيا منفتحة للتفاوض أكثر من أمريكا. إذ حصلت تركيا على مكاسب عديدة من خلال بالتعاون مع روسيا.
قد تصبح العلاقات التركية-الروسية أكثر اضطراباً من العلاقات التركية-الأمريكية في المستقبل. وهو احتمال قوي جداً. ستأخذ تركيا موقفاً مختلفاً بناء على تطور الأحداث في ذلك الوقت. لا يمكن لأي شخص أن يطالب تركيا بهدر فرصة التعاون الموجودة بين يديها.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس