إبراهيم كيراس – صحيفة قرار – ترجمة وتحرير ترك برس
تستمر العملية العسكرية التي تقودها القوات المسلحة التركية في شمال سوريا بهدف إنهاء فعاليات عناصر بي كي كي ووحدات الحماية الشعبية بالتقدم، وذلك من دون التعرّض لأي عوائق تُذكر، فيما اشترك ذوو الخبرة في الشأن العسكري على رأي موحّد وهو أن سر النجاح الكبير لهذه العملية يعود إلى تخطيط مسبق وطويل الأمد، أما على الصعيد السياسي فمن الممكن والمتوقع حدوثه بشدة أن تأتي عملية عفرين بنتائج قد تعود بمكاسب كبيرة على السياسة الخارجية لتركيا. وتجدر الإشارة إلى أنّ هذا النجاح السياسي تحقق نتيجة التقييم الجيد للسياسة الدولية والإقليمية.
ومن المعلوم أن مجرد وجود حزب الاتحاد الديمقراطي الجناح السياسي لـ بي كي كي في سوريا هو أمر غير مقبول بالنسبة إلى تركيا، ولا سيما أن دعم أمريكا وروسيا لحزب الاتحاد الديمقراطي وتسليحه بحجة مكافحة داعش يشكّل مصدراً لإثارة المشاكل، باعتبار أمريكا وروسيا دولاً حليفةً لتركيا. في السابق لم تكن الظروف السياسية موائمة لتدخل تركيا، لكن أدت بعض التطورات في الآونة الأخيرة إلى فتح المجال أمامها للقضاء على هذا الخطر الذي يهدد أمنها القومي بشكل مباشر.
لم تتمكن أمريكا التي تعتبر الحليف الأقوى لحزب الاتحاد الديمقراطي، وكذلك روسيا التي تعتبر العامل الأكثر مساهمةً في تطور الحزب من تقديم أي اعتراض ملموس تجاه عملية عفرين التي تستهدف التنظيم بشكل مباشر، وهناك عدة أسباب لذلك والأول هو المنافسة الموجودة بين موسكو وواشنطن فيما يخص التحالف مع حزب الاتحاد الديمقراطي، لنتوسّع في هذه المسألة قليلاً، بي كي كي هو تنظيم يؤسس علاقاته ويختار حلفاءه بناء على الموازين الدولية والإقليمية، في الواقع بعد تأسيس تنظيم بي كي كي في ظل الإدارة الروسية بدأ التنظيم يميل إلى واشنطن أكثر من موسكو، كما أصبح في بعض الأحيان قريباً من إيران وبعض الدول الأوروبية أيضاً.
ربما لو استمرت فترة الحل التي حاولت تركيا تنفيذها لمرتين مسبقاً لكان ذلك قد أدى إلى تشكيل حركة سياسية كردية تحت إدارة أنقرة، لكن القوى الخارجية لم تسمح بحدوث ذلك، فيما انتهت فترة الحل الثانية حين اقترب الأكراد من تأسيس دولة كردية مستقلة في منطقة "روجافا" -منطقة في الشمال السوري حاول الأكراد تحويلها إلى دولة كردية مستقلة ولكن لم تعترف بها أي دولة في العالم حتى الوقت الحاضر- ولكن يجب أن لا ننسى نقطة مهمة وهي بعكس ما تزعمه الحملات الدعائية الصادرة عن بي كي كي فإن الجمهورية التركية بحكم مبادئها وقيمها السياسية والثقافية لا تعارض تأسيس حزب سياسي كردي، وتأكيدا على ذلك اقترب إقليم كردستان العراق الذي عارضت تركيا تأسيسه بشدة في البداية لأن يكون الحليف الإقليمي الأقوى لأنقرة حين بدأ بإظهار مواقف قريبة من الحكومة التركية، واستمر ذلك إلى مرحلة الاستفتاء الذي أُجري في الإقليم على الرغم من معارضة أنقرة لذلك، يمكن القول إن أنقرة قد أظهرت ردة فعل طبيعية حيال إنشاء دولة كردية أو إقليم كردي وذلك لخوفها من أن تتبع الدولة المزعومة سياسة التمييز الطائفي بين الشعب. وأثبتت الأمثلة التي شهدناها مسبقاً أن الأمر لا يتعلق بهوية الطرف الآخر إنما يتعلق بموقفه تجاه الحكومة التركية.
عند العودة إلى الوقت الحاضر نلاحظ أن سيطرة أمريكا على منطقة كوباني تزداد يوماً تلو الآخر، فيما استمرت منطقة عفرين بالبقاء تحت سيطرة روسيا، إذ تعتبر روسيا أنه لا فائدة من السيطرة على عفرين فقط من ضمن منطقة روجافا كاملة، وأن عفرين ستعود للاتحاد مع كوباني التي تقع تحت السيطرة الأمريكية عاجلا أو آجلا، لذلك لم تجد ضرورةً للمبالغة في معارضة اقتراحات تركيا فيما يخص عملية عفرين، وهناك من يصف تحليل هذا الموقف بعبارة "روسيا خانت بي كي كي لأن الأخير قد خانها مسبقاً"، أما بالنسبة إلى الصمت الأمريكي تجاه عملية عفرين فيعود السبب في ذلك إلى اعتبار أمريكا أن عفرين في جميع الأحوال منطقة تابعة لروسيا.
يمكن أخذ هذا التحليل بعين الاعتبار لدرجة معينة لكن عند مشاهدة الظروف من منظور أوسع نلاحظ وجود لوحة جديدة في سوريا، حان الوقت لتأسيس بنية سياسية جديدة في سوريا، وبما أنه لا وجود لاحتمال توحّد الأطراف التي أراقت دماء بعضها البعض لسنوات عديدة فذلك يعني التوجّه نحو إيجاد حل مشترك ومناسب لجميع الأطراف، في حين تبدو الخريطة الجديدة للمنطقة أكثر وضوحاً الآن.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس