الأناضول
يمتد عمر الصداقة التركية الجزائرية لخمسة قرون مضت، يشهد عليها مسجد "كتشاوة" بمنطقة القصبة بالعاصمة الجزائر الذي بني خلال العهد العثماني، وظلت الجزائر جزءًا من الدولة العثمانية، اعتبارا من عام 1519 حتى احتلالها من قبل فرنسا عام 1830.
عادت العلاقات بين البلدين للتوهج مجددا فور إعلان الجزائر استقلالها وتخلصها من الاحتلال الفرنسي في 1962، وفتحت تركيا سفارتها هناك في 1963.
واشتدت جذوة العلاقات مع وصول حزب "العدالة والتنمية" للحكم في تركيا عام 2002، ثم قيام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بزيارته للجزائر عام 2006، عندما كان يشغل منصب رئاسة الوزراء.
ويزور الرئيس أردوغان، الجزائر، اليوم الإثنين، مستهلا جولة إفريقية تستغرق 5 أيام وتشمل أيضا موريتانيا والسنغال ومالي.
وتعد زيارة أردوغان للجزائر، الثانية من نوعها بعد استلامه منصب رئاسة الجمهورية، حيث أجرى في 19 نوفمبر/ تشرين الثاني 2014، زيارة رسمية هي الأولى له خارجيا منذ توليه منصبه في 28 أغسطس/آب 2014.
ويراهن البلدان على علاقات اقتصادية وسياسية أقوى، من خلال الزيارات المتبادلة التي أثمرت مشاريع واتفاقيات عديدة في مجالات الطاقة والتجارة والزراعة والبناء والثقافة.
واكتسبت علاقات البلدين زخما كبيرا مع الزيارة التاريخية التي أجراها الرئيس الجزائري بوتفليقة إلى أنقرة في 2005.
وتحولت الجزائر في السنوات الأخيرة إلى قبلة للاستثمارات التركية، حيث تحتضن 797 شركة تركية تنشط في ميادين مختلفة، بطاقة عمال تقدر بأكثر من 28 ألف شخص بحسب أرقام رسمية.
معاهدة الصداقة والغاز المسال
ومنذ مايو/آيار 2006، ترتبط الجزائر وتركيا بمعاهدة صداقة وتعاون ساهمت في رفع حجم التبادل التجاري بين البلدين، ورفع نسبة الاستثمارات التركية في الجزائر، وسط توقعات بأن تشهد العلاقات الاقتصادية والتجارية بينهما طفرة جديدة في السنوات المقبلة.
وتعتبر الجزائر أكبر شريك تجاري لتركيا في إفريقيا، بحجم مبادلات تجارية يتراوح ما بين 3.5 و5 مليارات دولار سنويا، وتخطى حجم الاستثمارات التركية في الجزائر عتبة 3 مليارات دولار، بحسب تصريحات مسؤولين جزائريين.
وفي 2014 وقعت الدولتان اتفاقية لتمديد تزويد الجزائر لتركيا بالغاز المسال لـ10سنوات أخرى، مع زيادة هذه الكميات بنسبة 50 بالمائة.
وكانت تركيا تستورد من الجزائر نحو 4 مليارات متر مكعب من الغاز المسال سنويا منذ 1988، وتضاعفت هذه الكمية لتصل بعد الاتفاقية المذكورة إلى 6 مليارات متر مكعب كل سنويا، وتحتل الجزائر المرتبة الرابعة في ترتيب الدول الممونة لتركيا بالغاز الطبيعي (بعد روسيا وأذربيجان وإيران).
مصانع تركية بالجزائر
وتتجلى أهم المشاريع بين تركيا والجزائر في افتتاح "طيال" أكبر مصنع للنسيج في إفريقيا، بمحافظة غليزان (غربي البلاد)، باستثمار يقدر بـ1.5 مليار دولار.
والمصنع تنجزه مؤسسة "تايبا" للنسيج في تركيا بالشراكة مع مؤسسات حكومية جزائرية، على مساحة تقدر بـ 250 هكتارا، حيث سيسهم في خلق 25 ألف وظيفة عمل اعتبارا من 2020 (إنهاء المشروع بكافة مراحله) وفق المسؤولين، مما يجعله من أكبر المشاريع التشغيلية لليد العاملة في إفريقيا.
وأقامت الشركة التركية "توسيالي أيرون أند ستيل" في 2013 بوهران (غربي الجزائر) مصنعا للحديد والصلب، بتكلفة تفوق 750 مليون دولار، وبقدرة إنتاجية بلغت 1.2 مليون طن سنويا من المواد الحديدية.
وأعلن مسيرو شركة توسيالي، في تصريحات صحفية، أن استثماراتهم في قطاع الحديد والصلب بالجزائر بلغت 2.250 مليار دولار في 2017، وأنهم سيرفعون هذه الاستثمارات إلى 6 مليار دولار في 2021، بعد الانتهاء من إنجاز مصنعين جديدين للحديد والصلب بقيمة 4 مليار دولار.
وساهم مصنع توسيالي (دشنه أردوغان يوم كان رئيسا للوزراء) في مرحلته الأولى بتوفير 1000 فرصة عمل، منها 550 عامل جزائري، ووفق تقديرات إدارة المصنع يتوقع أن يصل عدد العاملين به إلى 3.500 عامل.
ويختص هذا المصنع (التركي الجزائري) الذي يعتبر أكبر مصنع خاص لتحويل الحديد والصلب في الجزائر، في استعمال النفايات الحديدية وغير الحديدية لإنتاج عدة أصناف من الحديد والفولاذ الموجّهة للصناعة والبناء.
وفي 2015، أسست الشركة المختلطة "أوزميرت" (تركية جزائرية أنشئت في 2007 بوهران) مصنعا بمحافظة عين تيموشنت (غرب) متخصص في صناعة الفولاذ والقضبان المسطحة.
وتفوق القدرة الإنتاجية للمصنع 100 ألف طن سنويا، على أن يرتفع الإنتاج الموجه إلى قطاعات البناء واستخدامات صناعية أخرى تدريجيا ليبلغ 300 ألف طن.
رهان الـ 10 مليارات دولار
وتتطلع الجزائر وتركيا إلى تطوير التعاون بينهما اقتصاديا وتجاريا، وأن يرتفع حجم المبادلات إلى 10 مليارات دولار سنويا.
وخلال زيارة الرئيس أردوغان إلى الجزائر في 2014، أعرب عن أمله أن تحظى مؤسسات المقاولات التركية بحصة أكبر في البنى التحتية.
ودعا إلى "تعزيز المبادلات التجارية بين البلدين لرفعها من 4.5 مليارات دولار إلى 10 مليارات في أقرب الآجال وذلك بإزالة جميع الحواجز المعرقلة للتجارة".
ووفق أرقام رسمية لعام 2014، كانت المبادلات التجارية بين تركيا والجزائر قبل 12 سنة أقل من مليار دولار، لتصل في 2013 إلى 4.5 مليارات دولار.
وحسب وزير خارجية الجزائر عبد القادر مساهل، لدى زيارته إلى أنقرة (الخميس الماضي)، يبلغ حجم التبادل التجاري مع تركيا سنويا 3.5 مليارات دولار.
وحسب تصريحات صحفية سابقة لسفير تركيا بالجزائر محمد بوروي، بلغ حجم الاستثمارات التركية عام 2017 في الجزائر 3 مليارات دولار.
وتستورد تركيا من الجزائر، الغاز الطبيعي المسال، وغاز البترول المسال، والنفط الخام، وتشكل منتجات الطاقة 97 بالمائة من صادرات الجزائر إلى تركيا، بالمقابل تصدّر تركيا إلى الجزائر، مركبات النقل البري وقطعها، والحديد والصلب ومنتجات النسيج والزيوت الطيّارة والأدوات الكهربائية والألبسة.
تركيا وجهة الجزائريين
على صعيد السياحة، تستقبل تركيا عشرات آلاف الجزائريين على مدار العام، حيث يفضل الجزائريون قضاء عطلاتهم السنوية بمحافظات تركيا.
وزار 200 ألف جزائري تركيا في 2017، بحسب تصريح سابق للسفير التركي بالجزائر محمد بوروي، خلال احتفال مؤسسة الخطوط الجوية التركية بـ30 عاما على تواجدها في الجزائر.
وقال بوروي إنّ تركيا أصبحت الوجهة الثانية للجزائريين بعد تونس، في ظل التسهيلات التي تمنح لرجال الأعمال فيما يتعلق بالتأشيرات.
تاريخ وثقافة وتعليم
ويشكل التاريخ والثقافة قاسم مشترك بين تركيا والجزائر، يعود إلى الفترة العثمانية بالجزائر، التي امتدت لـثلاثة قرون، ولا تزال تلقي بثقلها على العلاقات السياسية والاقتصادية بين البلدين.
ولا تزال رموز ومواقع حضارية وأثرية من قلاع وقصور وأحياء شاهدا تاريخيا على الوجود العثماني في الجزائر، منها مسجد "كتشاوة" الذي افتتح في 1612م، ويعد رمزا للصداقة بين البلدين الممتدة لـ500 عام، وكذا حي القصبة العتيق (بني في القرن الـ16م) بأعالي العاصمة الجزائر، وغيرها.
وتترجم العلاقات التركية الجزائرية أيضا على الصعيد الفني، حيث تلقى الأعمال الدرامية التركية المدبلجة إلى العربية أو اللهجة المحلية (الجزائرية) مشاهدة وإعجاب كبيرين لدى المواطن الجزائري، فضلا عن استضافة مهرجانات دولية جزائرية لممثلين ومخرجين أتراك وفنانين وفرق موسيقية.
وتشمل علاقات البلدين مجال التعليم، حيث شهد تعلم اللغة التركية في السنوات الأخيرة إقبالا معتبرا من قبل الطلبة الجزائريين، سواء في الجامعات الحكومية أو في المدارس الخاصة.
ومع تزايد الطلب قررت الجزائر تدريس اللغة التركية رسميا لأول مرة في الجامعات، بداية بجامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية بقسنطينة وجامعة تلمسان (غرب) خلال العام الجامعي 2014/2013.
كما يواصل 332 طالبا جزائريا تعليمهم في الجامعات التركية، حاليًا، بينهم 161 مسجلين ضمن برنامج المنح.
"تيكا" التركية والجزائر
وتلعب الوكالة التركية للتعاون والتنسيق "تيكا"، التابعة لرئاسة الوزراء (تأسست عام 1992) دورا مهما في الجزائر، وقدمت العديد من الأعمال منها الإنسانية والاقتصادية الممثلة في المساهمة في مشاريع البناء والترميمات، بينها ترميم مسجد "كتشاوة" العثماني، الذي توشك على الانتهاء منه.
وفي إطار "برنامج مشاركة الخبرات مع إفريقيا 2017 " قامت "تيكا" في 28 أغسطس/آب الماضي، بأعمال ترميم مدرسة ابتدائية بجبال جرجرة، أعلى قمة جبلية بشمالي الجزائر في محافظة البويرة (شمال)، كما نظمت عمليات إفطار جماعي في رمضان للفقراء والمسنين والكثير من المشاريع الخيرية في الصحة والتعليم.
ومنذ 2002، رفعت "تيكا" وتيرة عملها وزادت انتشارها بحملات المساعدات التنموية التي نفذتها خارج البلاد مع ارتفاع مستوى التقدم في تركيا والانفتاح الذي حققته الحكومة في سياساتها الخارجية.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!