د. مصطفى حامد أوغلو - خاص ترك برس
تخوض تركيا هذه الأيام انتخابات مفصلية، ومختلفة، وحرجة، بكل ما تحمله هذه الكلمات من معاني ومفاهيم، فهي مقبلة على انتخاب رئيس الجمهورية على أساس النظام الرئاسي لأول مرة، وهذا يعني أن الحكومة القادمة لن تخرج من عباءة البرلمان، ولن تحتاج لمنح الثقة والتصويت على برنامجها.
وربما لأول مرة تدخل تركيا انتخاباً يصعب على المراقبين التوقع والتخمين بنتائجه.
وكما كان متوقعاً فإن مسألة اللاجئين السوريين كانت حاضرة، وبقوة، في الحملات الانتخابية لكل الأحزاب في تركيا.
وانقسم الناخب التركي بين متعاطف ومتعاون مع اللاجئين، وبين ممتعض ومتذمر من التواجد السوري الذي طال أمده في تركيا.
الموضوع متشعب ويطول الحديث فيه، وله عدة جوانب ونواحي، يحتاج كل جانب منه لتناوله وتمحيصه والوقوف عند كثير من تفاصيله...
وهذا الحضور والتجاذب، يعود لعدة أسباب، سياسية، وعسكرية، واقتصادية، واجتماعية، ويمكن أن نضيف لها موضوع الساعة وهو التجنيس ونيل الآلاف من السوريين حق الترشح والاقتراع في هذه الانتخابات الحرجة، بالإضافة لتصرفات بعض السوريين المزعجة للأتراك والتنافس في سوق العمل وغيره...
لم تكن تركيا مستعدة فكريا ولا سياسياً لقبول واستيعاب هذا العدد الكبير والمفاجئ من اللاجئين السوريين، ولم تكن تتوقع – ولا السوريين أنفسهم- أن تطول إقامتهم هنا وتطفو للسطح مضاعفات هذا البقاء وسلبياته من جهة، واستحقاقاته ومتطلباته من جهة ثانية...
في بدايات أزمة اللجوء سعت تركيا وانتهجت سياسة "عدم جعل تركيا وجهة ومكاناً جذّاباً للسوريين" حتى تتم إعادتهم بعد انتهاء السبب الذي أجبرهم للخروج من ديارهم وأوطانهم.
لذلك شهدنا افتتاح مدارس التعليم "المؤقتة" والمراكز الطبية "المؤقتة" ولوائح وتعليمات وتسهيلات استثنائية "مؤقتة" ومحاولة لحجز السوريين وإبقاءهم في المناطق الحدودية دون المدن الكبرى والمدن السياحية وخاصة إسطنبول وأنطاليا.
لكن ومع استعصاء الحل السوري، وتعقيداته، انتلقت تركيا إلى سياسة الأمر الواقع، وتشخيص صحيح لحالة اللجوء التي اصبحت حالة مستديمة، مستفيدة من تجارب ودراسات وحالات اللجوء التي تعرضت لها هي من ناحية، والتي حدثت عبر التاريخ في دول أخرى، ومحاولة الاستفادة من وجود السوريين، وتحويل الأزمة إلى فرصة.
ورغم بطأ التنفيذ واتخاذ القرارات، والبيروقراطية الثقيلة، إلا أن تركيا خطت خطوات مدروسة وثابتة نحو دمج السوريين بتركيا، وتقليل سلبيات هذا التواجد، ومحاولة الاستفادة من الكفاءات والخبرات والعنصر الشاب في كثير من المجالات، وعلى رأسها الصحة والتعليم.
برأيي هناك ثلاث ملفات أساسية جعلت السوريين محل تجاذب واصطفاف الناخب التركي تجاههم.
المبالغ التي صرفت، وعملية التجنيس، والخدمة الصحية المجانية.
أولاً المبالغ المصروفة: طالما رددت جهات مسؤولة وتكلمت عن المبالغ التي صرفت على الملف السوري، والتي قيل انها وصلت لأربعين مليار دولار، وهذا هو الرقم المتداول في خطابات المعارضة اليوم، منتقدة الحكومة ومحملة لها المسؤولية لأنها تسببت في عملية اللجوء والتدخل بالشأن السوري، فالاعتراض ليس بشكل مباشر على صرف المبلغ ولكن على السياسة الخارجية التي وقفت طرفاً في المسألة السورية وتسببت لهذه الحالة...
ربما أخطأ الحزب الحاكم بذكر وترديد هذا الرقم في كثير من المناسبات، لإظهار حجم التعاطف والتضحية تجاه الإخوة السوريين... ولكن برأيي كان ينقصه الإشارة أيضاً لما أضافه السوريون من دعم للاقتصاد التركي والاستثمارات والشركات السورية التي انتقلت لتركيا...
وهنا أيضاً يظهر جلياً تقصير الجهة السورية المعنية بهذا الأمر، التي لم تستطع أن تعطي صورة مشرقة للناحية الاقتصادية الإيجابية للتواجد السوري بتركيا.
وأن هذا التواجد ليس سلباً كله، بل له الوجه الآخر المشرق...
ثانياً التجنيس والانتخاب: بعد هجرة كثير من الكفاءات وأصحاب الشهادات إلى بلاد الغرب للاستقرار هناك، بدأت تركيا بمحاولة منع هذه الهجرة ومحاولة كسبها وإبقائها في تركيا، من خلال عملية تجنيس هذه الشريحة وخاصة الأطباء والمعلمين، ومن هنا أيضاً بدأ الاعتراض ليس على تجنيس السوريين إنما على نيلهم حق الترشح والانتخاب، وأن سبب التجنيس هو كسب مؤيدين للحزب الحاكم وليس لحل مشكلة اللاجئين الإنسانية...
وهذا الانتقاد له مبرراته... وأسبابه
منها ماذا لو تم منح هؤلاء السوريين كل حقوق العمل والسكن والتنقل والعلاج - كما هو حاصل بالنسبة للصحة والتعليم - من خلال " الكيمليك" أي بطاقة التعريف التي يحملونها، بدون التجنيس ومنحهم حق المواطنة...
الأمر الآخر هو الحس القومي – والمتزايد حتى عند الحزب الحاكم – لدى شريحة كبيرة من الناخبين الأتراك. ومن هنا يجب التساؤل "هل تركيا اليوم هي جاهزة لتقبل أن يكون هناك برلمانيين سوريين ويتكلمون بالقضايا الوطنية والسياسة الداخلية والخارجية...!!؟".
برأيي ليس بعد...
الأمر الثالث هو الخدمة الصحية المجانية المقدمة للسوريين التي بدأت تلامس كل من يعمل بالقطاع الصحي من أطباء ومساعدين وموظفين بالمشافي، والمرضى الذين يعانون من آلام وانتظار دور، وهم يرون أيضاً السوري يأخذ دورهم، وينال الخدمة الصحية المجانية.
هذه الشريحة وفي حالتها المرضية ومعاناتها الصحية وهي تتألم وتتوجع، لا تسمح لها نفسياتها أن تكون أكثر تسامحاً وتحملاً وتفهماً وتعاطفاً مع الحقوق الممنوحة للسوريين التي تؤثر سلباً وبشكل مباشر على معاناتهم في المشافي.
ألم يكن هناك حلول أفضل من ذلك..!!؟؟ برأيي كان هناك الكثير من البدائل التي لم يُسع لها...
كيف يخفف السوريون هذا الاصطفاف والاحتقان..!!؟؟
كثير من اللاجئين العرب يتحركون بعاطفة جياشة، وحماس ملتهب، وحب جم، لدعم الحكومة الحالية، واستمرار الاستقرار والسياسة الحالية، ولكن قد تتحول هذه الأمور والتصرفات لمزيد من المواقف المتشددة والتعنت تجاههم... ومن هنا وجب عليهم معرفة التركيبة السياسية، والسكانية، والقومية لدى الناخب التركي، وأيضا فهم الواقع الذي يعايشونه والتحرك بشكل عقلاني لا عطافي وواقعي لا خيالي...
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس