ترك برس
تباينت آراء الخبراء والمراقبين حول الخيارات التي يملكها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، من أجل التصدي للحرب الاقتصادية الأمريكية والغربية ضد بلاده، وسط تراجع كبير في سعر صرف الليرة التركية.
وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إن بلاده ستكون قادرة على التغلب على الحرب الاقتصادية التي تواجهها، مضيفا: "الدولار الأمريكي لن يقطع طريقنا وسوف نرد بعملتنا الوطنية على الأطراف التي شنت هذه الحرب علينا".
وتابع: "رغم الهجمات التي نتعرض لها عبر رفع أسعار صرف الدولار فإن نمو الاقتصاد التركي سيتواصل، وسنختتم 2018 بنسبة قياسية في النمو، وليس بإمكان أحد أن يحُول بيننا وبين أهدافنا ولن نسمح بذلك".
أستاذ التمويل والاقتصاد بجامعة "إسطنبول صباح الدين زعيم"، أشرف دوابة، رأى أن الحرب الاقتصادية على تركيا تلعب دورا بارزا في انخفاض الليرة التركية أمام العملات الأجنبية، مضيفا: "لكن العجيب هو مدى السلوك الحكومي الرخو في التعامل مع الأزمة".
وقال دوابة في تصريحات لصحيفة "عربي21"، إن وزير المالية أعلن عن تفاصيل النموذج الاقتصادي الجديد ولكن ينبغي توجيه الجهد أولا نحو علاج مشكلة تدهور الليرة على وجه السرعة.
وأردف: "في حالة الحرب من حق الدولة أن تدافع عن نفسها، بل التدخل واجب على ولي الأمر شرعا لحماية اقتصاد بلده وحماية شعبه من التضخم، وعدم زيادة فترة عدم اليقين أو التأكد بصورة تؤدي إلى تعميق الأزمة".
واستطرد: "نحن ننتظر من الحكومة التركية إجراءات عملية لمواجهة حرب اقتصادية معلنة ومفتوحة يشارك فيها رأس مال عربي بنفوذ أمريكي، ولعل ما ذكره ترامب اليوم عن الليرة في قراره مضاعفة الرسوم على الصلب والألومنيوم التركي يبرز طبيعة هذه الحرب".
ودعا أستاذ التمويل والاقتصاد إلى ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة لمواجهة تراجع سعر صرف الليرة، أبرزها:
- بث عوامل الثقة لدى المواطنين لا سيما من خلال مسؤولي السياسة النقدية الذين لم نسمع لهم صوتا.
- زيادة الوعي لدى الشعب بعدم الدولرة باعتبار المحافظة على وضع الليرة واجب وطني وشرعي.
- وضع قيود على السحب والتحويل للدولار .
- تفعيل نظام الرقابة النقدية لا سيما في المطارات.
- رفع سعر الفائدة مؤقتا.
- وضع حدود سعرية للعملة لا يتم تجاوزها.
- استخدام ما تيسر من الاحتياطي لزيادة عرض الدولار.
- تفعيل نظام المدفوعات المتبادلة بعيدا عن الدولار.
- منح حوافز للمستثمرين ضريبية وغيرها لا سيما ما يتعلق بمنح الجنسية.
- تقديم تسهيلات إضافية للسياح.
وأضاف دوابة: "هذه إجراءات قصيرة الأجل، وهناك أدوات أخرى متوسطة وطويلة الأجل"، مؤكدا أن "علاج مشكلات الاقتصاد الكلي لها مزايا وعيوب ويمكن في المرحلة الحالية تحمل تلك العيوب لاسيما ما يتعلق بقيود التحويل خاصة وأن المستثمر لن يقبل على الاستثمار في ظل تدهور الليرة".
وأوضح أن "واقع الاقتصاد التركي خلال النصف الأول من هذا العام -مقارنة بمثيله العام الماضي- يعكس ارتفاع الواردات التركية بنسبة 13.5% محققة مبلغ 122.9 مليار دولار في مقابل ارتفاع للصادرات بنسبة 6.3% محققة مبلغ 82.2 مليار دولار، ولذلك حقق عجز الميزان التجاري بلغ 40.7% بنسبة ارتفاع بلغت 31.6%.
وهذا العجز يحتاج معالجة بزيادة الصادرات لا سيما بفتح أسواق جديدة بأفريقيا وتخفيض الواردات مع ملاحظة أن الواردات التركية جلها واردات أساسية ممثلة في الطاقة ومستلزمات الإنتاج، وهو ما يحتم دراسة هذا الأمر بدقة".
وحول خيارات الرئيس أردوغان في مواجهة الحرب الاقتصادية، أكد المحلل السياسي التركي جاهد توز، إن تركيا تمتلك الكثير من الأوراق على المستوى الإقليمي والعالمي، ولديها خيارات كثيرة سياسيا واقتصاديا ودبلوماسيا.
وقال توز: "واشنطن لم تتلق حتى الآن أي رد فعل من أنقرة، وتركيا لا تزال تسعى إلى محاولة حل الأزمة بالسبل الدبلوماسية والسياسية، وهذا لا يعني ضعفا أو تنازلا وإنما تأكيدا لسياسات تركيا في حل المشاكل عبر القنوات الدبلوماسية والسياسية، التي تنتهجها في عهد حزب العدالة والتنمية الحاكم".
وأضاف: "ولكن إن لم تفلح القنوات والسبل الدبلوماسية والسياسية في إيجاد حل للأزمة فإن تركيا تمتلك آليات أخرى ويمكنها اتخاذ تدابير لمواجهة تلك الأزمة".
وأشار المحلل السياسي التركي إلى أن الرئيس أردوغان أجرى اليوم اتصالا هاتفيا بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مستطردا: "كما أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، سيجري زيارة إلى تركيا خلال الأيام القادمة، وهذا دليل على أن تركيا لديها علاقات قوية مع دول كبرى مثل روسيا، ولديها خيارات أخرى أيضا مع الصين، تستطيع من خلالها تجاوز تلك المشكلة".
وأوضح توز، أن تركيا عضو قوي في حلف شمال الأطلسي، وتشتري الأجهزة العسكرية من الغرب وتحديدا من الولايات المتحدة، وستكون واشنطن هي الخاسرة إذا اتجهت تركيا لشراء احتياجاتها العسكرية من دول أخرى.
وأردف: "تركيا لن تقدم تنازلات لأحد، بل الولايات المتحدة الأمريكية هي من ستقدم تنازلات"، لافتا إلى أن تصريحات الرئيس أردوغان بشأن حل المشاكل عبر الهدوء والمفاوضات والدبلوماسية لا تعني أن تركيا ستقدم أي تنازلات.
وتابع: "صحيح أن المحاولات التي قامت بها الولايات المتحدة الأمريكية نجحت نوعا ما في التأثير السلبي على سعر صرف الليرة التركية، لكنها لم ولن تؤثر على مؤسسات الدولة التركية، وهي مشاكل مؤقتة، والاقتصاد التركي قادرة على تجاوزها".
واعتبر المحلل السياسي التركي أن "تركيا أمام حرب معلنة، تعود في الأساس إلى أمور داخلية للولايات المتحدة الأمريكية، وتزايد الضغوط من قبل مراكز القوى داخل واشنطن على الإدارة الأمريكية لفتح حرب ضد تركيا بحجة القس الأمريكي".
وحول بطء إجراءات الحكومة التركية والبنك المركزي في اتخاذ قرارات سريعة لدعم موقف الليرة أمام العملات الأجنبية، قال توز، إن المؤسسات الاقتصادية المعنية في تركيا لم تتدخل حتى الآن لأنها تدرك أن الأزمة لا علاقة لها بالجوانب الاقتصادية".
وأكد أن الالتفاف الشعبي حول الرئيس أردوغان والحكومة يساهم بشكل كبير في تقوية الموقف التركي أمام مواجهة تلك المشاكل، قائلا: "عندما تتعلق المشاكل بالوطن وسيادة الدولة التركية، فلا يهتم الشعب التركي كثيرا بأي تداعيات أخرى".
وأضاف: "صحيح أن هناك قلقا شعبيا، لكن الشعب التركي يدرك الأسباب الحقيقية وراء تلك الأزمة، والجميع (شعبا ومعارضة وأحزاب سياسية) يقفون في خندق واحد بجانب الحكومة والدولة".
وأكد الكاتب التركي والمحلل السياسي أحمد فارول، أن الولايات المتحدة الأمريكية تخوض حاليا حربا اقتصادية مفتوحة ليس مع تركيا فقط، بل أيضا مع روسيا والصين وإيران، وفق "عربي21".
وقال يمكن لهذه الدول أن تشكل تكتلا اقتصادية موسعا لمواجهة تلك الحرب، سينعكس بالسلب على الاقتصاد الأمريكي، مضيفا: "صحيح أن ارتفاع سعر صرف الدولار أمام الليرة يؤثر سلبا على الساحة التجارية داخل تركيا، لكن تركيا الآن في موقف أفضل مما كانت عليه في السابق، ولديها إمكانيات ومقومات اقتصادية لمواجهة تلك الحرب".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!