ترك برس
أحيا المسلمون في تركيا والعالم يوم الأحد، الذكرى السنوية (101) لوفاة سلطان الدولة العثمانية، خليفة المسلمين عبد الحميد الثاني، الذي كان آخر خليفة فعلي في تاريخ الإسلام.
تعرض عبد الحميد الثاني لمواقف وتحديات أثقلت كاهله وجعلت من تصديه المتواصل لها أسطورة تاريخية ما زالت تلهم الأدباء والشعراء ومُبدعي الدراما حتى يومنا هذا.
شبكة الجزيرة القطرية تناولت في تقرير مفصّل لها سيرة السلطان عبد الحميد الثاني الذي رحل عن 57 عاما، قضى ثلاثة عقود منها في حكم دولة مترامية الأطراف تنوء بحملها الثقيل.
وأكّد التقرير على أن الشغل الشاغل للسلطان عبد الحميد طوال هذه الحقبة كان إنقاذ "الرجل المريض"، أو تأجيل حتفه يوما على الأقل، وهو اللقب الذي أطلقه الأعداء المتربصون على الدولة العثمانية في عصر الأفول.
رثاه شعراء العرب والإسلام فور تلقيهم نبأ وفاته، فقال الشاعر العراقي جميل صدقي الزهاوي:
سلام على العهد الحميدي إنه لأسعد عهد في الزمان وأنعم
وأوجز أمير الشعراء أحمد شوقي المأساة بلسان الأمة قائلا:
ضجَّت عليك مآذنٌ ومنابرٌ وبكت عليك ممالك ونَواح
اعتلى عبد الحميد العرش عام 1876 عندما خُلع أخوه مراد الخامس بتهمة الجنون، وكان عمر السلطان الشاب 34 سنة، إلا أنه كان متمرسا على السياسة بسبب التربية التي تلقاها في عهد عمه عبد العزيز الأول ثم والده عبد المجيد الأول، فتمكن من مداراة الصدر الأعظم مدحت باشا الذي كان له القول الفصل عاما ونصف العام، ثم بدأت حقبة عبد الحميد.
أدرك الأوروبيون -كما يبدو- أن أقصر طريق للقضاء على "الرجل المريض" هو تسميمه من الداخل، فبالتوازي مع الحروب وحالات التمرد والعصيان، كانت أوروبا تستثمر في مجموعة من طلاب المدارس الحربية الذين تشربوا الفكر الغربي في المحافل الماسونية، وعلى رأسهم يهود الدونمة الذين اتخذوا من التظاهر بالإسلام سياسة لهم منذ القرن السابع عشر واستوطنوا مدينة سالونيك.
وفي عام 1889، وبالتزامن مع مئوية "الثورة الفرنسية"، شُكلت في باريس جمعية سرية تحت مسمى "الاتحاد والترقي"، وجعلت على رأس أهدافها عزل عبد الحميد والقضاء على الخلافة وتكريس الحكم العلماني على الطريقة الفرنسية.
ومع أن السلطان انتبه إلى مخططاتهم عبر أجهزته الأمنية، وعمل على استمالة الكثير منهم بالمناصب والملاحقة والضغوط، فقد نجح بعضهم في مواصلة المشروع مستفيدين من الدعم الأوروبي السخي، ومن رعاية الأقليات النصرانية التابعة للدولة، وكانت النقطة الفاصلة بانشقاق الجيش الثالث في سالونيك، وانضمام أنور باشا ومصطفى كمال (الذي صار لاحقا أول رئيس علماني لتركيا) إلى الثورة.
وبالتوازي مع هذه المؤامرات، كان اليهود يكثفون محاولاتهم لانتزاع "أرض الميعاد"، بدءا بإغراء السلطان بالمال فور اعتلائه العرش مقابل إسكان اليهود في فلسطين، ولم تتوقف عروضهم السخية بالمال والوساطة لدى أوروبا رغم إصرار السلطان على رفضها، بل ومنعه اليهود حتى من دخول القدس، مما دفع قائد الحركة الصهيونية تيودور هرتزل إلى إعلان نواياهم في مؤتمرهم الأول في بازل السويسرية عام 1897، الأمر الذي واجهه عبد الحميد بالمزيد من التضييق والمنع.
في عام 1905، حاول الأرمن -كما تذكر بعض المصادر- اغتيال عبد الحميد بقنبلة إثر خروجه من المسجد، وخلال السنوات القليلة التالية كانت الجمعيات السرية تسابق الزمن لتقليص نفوذ الخليفة، الذي يمم وجهه نحو العالم الإسلامي المثقل بجراحه رافعا شعار الوحدة الإسلامية، بينما كانت جمعيات سرية أخرى تتشكل في باريس وبرلين لتشجيع العرب على الانفصال واللحاق بقاطرة العلمانية.
وفي 1909 كانت فصول المؤامرة قد اكتملت، وتقدم اليهودي قره صو عمانوئيل وفدا من أربعة خصوم لتسليم الخليفة قرار عزله وتعيين أخيه الضعيف محمد الخامس في مكانه.
نفي عبد الحميد إلى سالونيك، مقر الماسونية العثمانية، إمعانا في إذلاله. وبعد ثلاث سنوات نُقل إلى قصر بكلربكي في إسطنبول إثر اندلاع حرب البلقان الأولى، وبقي قرابة خمس سنوات شاهدا على اكتمال مخطط القضاء على الخلافة، ثم أغمض عينيه قبل تسعة أشهر من انتهاء الحرب العالمية الأولى، وقبل ست سنوات من إعلان مصطفى كمال إحلال العلمانية محل الخلافة الإسلامية.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!