علاء الصالح - خاص ترك برس
اختلافات وفوارق كبيرة جدا بين النموذج التركي والنموذج الإيراني في أسلوب العيش والحكم تتعلق بفكرة "صورة الإسلام والمسلمين" رغم أن تركيا اليوم لا تمثل ولا تقول إنها كدولة تقدم نموذجا للفكرة الإسلامية و"النظام الإسلامي" على عكس إيران ونظامها وهذا أمر يطول الحديث فيه؛ المقصود من كلامي هنا هو "الصورة" التي يقدمها النموذجان للآخرين؛ لغير المسلمين أو حتى لبعض المسلمين المتصارعين مع هويتهم وعقيدتهم الحائرين بين النظرية الإسلامية والتطبيق!.
تركيا اليوم تستقبل المستضعفين والمظلومين والمضطهدين في بلدانهم تقوم باحتضانهم وتحاول جاهدة مناصرة قضاياهم ولو على حساب مصالحها المادية الظاهرة من تركستان الشرقية إلى العراق فسوريا ومصر واليمن وغيرها من بقاع الأرض التي تئن تحت وطأة الظالمين ومنهم ميليشيات إيران! تنصرهم تركيا ولو بالموقف انطلاقا من خطاب "المهاجرين والأنصار" حتى لو تعرضت مصالحها للخطر وتعرضت لتآمر خارجي ملموس يهدد علانية بتدميرها وتقسيمها عبر تغريدة أو انفجار سيارة مفخخة أو محاولة انقلاب أو دعم ميليشيات انفصالية بالعتاد والسلاح أو تلاعب بقيمة عملتها الوطنية؛ لكنها تصر على ممارسة دورها بطريقة تنسجم مع خطاب رئيسها وشخصيته وأسلوب فريقه في الحكم ومقاربة الأمور مع كثير من الاستشهاد بآيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية والقيم الإسلامية.
المستمع للخطاب في تركيا الجديدة يطمئن له ويشاهد انعكاساته على الأرض سلوكا من خلال التعاطي مع المتواجدين على الأرض التركية والتعامل معهم كبشر بغض النظر عن انتمائهم الديني أو العرقي سنة أو شيعة كردا أو تركا مسلمين وغير مسلمين.. لهم حقوقهم يعيشون في ظل دولة وقانون.
عملية التنمية الموجودة في البلاد والتطوير والتحسين وخدمة الناس ورعايتهم؛ من دخولك إلى "حمام عام" خمس نجوم -أعزكم الله- إلى عبورك أطول جسر معلق إلى تصنيع المحركات والطائرات والسلاح إلى مليارات من الدولارات تنفق شرقا وغربا كمساعدات إنسانية ليس لأن تركيا جمعية خيرية بل لأن قيادتها تحمل مشروعا ورسالة ولديها مصالح كبرى ترى تحقيقها عبر هذا الطريق والسلوك فترى السائح غير المسلم عندما يزور اسطنبول مثلا يتأثر وينبهر ويتعرف على الإسلام أكثر ويعجب بأبنائه وصنيعهم؛ كذلك المسلم يفتخر بما يرى ويشاهد ويعتز بتركيا المتطورة ويخاف عليها إن تراجعت قيمة عملتها الوطنية فيهب من لبنان إلى قطر وغيرها لدعم الليرة التركية ويسهر الليل لا ينام مخافة أن تنجح محاولة انقلاب العسكر فيها.. يدعو الله أن يحفظها.
وتبقى التجربة غير مكتملة وفيها شوائب وتحتاج إلى بذل كل جهد لاستكمالها لكنها ملهمة وتضج بالحياة والفرح والخضرة والإنجاز والتحدي والريادة والألق!
أما النموذج الذي تقدمه إيران اليوم فإنه نموذج يراه كثيرون منفرا قاتما منغلقا أسود قمعيا! نموذج لطم وندب وبكاء وعويل؛ نموذجا ينشر القتل وسفك الدماء ويناصر ويدعم رئيسا غارقا بدماء شعبه وإن نجح مرحليا بالسيطرة على أربع عواصم عربية وأعلن بغداد عاصمة الامبراطورية الفارسية على أساس فكرة تصدير الثورة منذ قيامها بقيادة الراحل الخميني.
ليس تحاملا على النظام الإيراني لكن هذه الصورة الموجودة لدى كثيرين تعكس واقعا حقيقيا ملموسا يمتد من الداخل الإيراني عبر معاناة الملايين من الشعب الغارق بالحرمان والفقر إلى أكثر من مكان ودولة تمتد إليها وتتوغل فيها يد الملالي ويكفي ما حل بالعراق ولبنان واليمن وسوريا والخراب والفساد المستشري هناك الذي تتحمل فيه إيران وأدواتها المسؤولية الأكبر عنه بالإضافة للمحتل الأميركي.
وعل الرغم من أن إيران قوية عسكريا ولديها أدمغة وتمتلك مفكرين وعلماء ومراكز بحوث وقد أنجزت في الملف النووي وفي امتلاك قوة ضاربة وميليشيات عابرة للحدود لكنها قوة في باطل تدير ميليشيات طائفية تحتل أراضي غيرها وتعمل للهيمنة بالقوة والقهر والاستيطان في سلوك مشابه لسلوك المحتل الإسرائيلي كما فعلت في ديالى العراقية ومحيط دمشق وغيره!
الخطير والكارثة الكبرى هنا أن النظام الإيراني ورموزه وأدواته وجيوشه الإعلامية تستخدم خطابا دينيا "حسينيا" فتسيء للإسلام وللإمام الحسين رضي الله عنه فتنفر غير المسلمين من الإسلام بل ربما تدفع ببعض المسلمين إلى الإلحاد! تجعل ضعيف النفس بمنطق أعوج يقول "إن كان هذا السيد وذاك المعمم يتجلبب بالإسلام ويقتل باسم الدين ويناصر السفاحين ويستشهد كاذبا بالقرآن الكريم وسيرة الحسين فقد كفرت بها جميعها"!.
لا يكاد يوجد مثال إيجابي عن دور النظام الإيراني سوى دعم المقاومة الفلسطينية بشكل علني سياسيا وماليا وعسكريا وهو دور مميز ومتقدم على جميع الأطراف المعنية عربية وغير عربية كما يرى البعض رغم أن كثيرين يضعونه في إطار المتاجرة بالقضية الفلسطينية أو محاولة استكمال مشروع الهيمنة الإيراني أو بمثابة "الصابونة" التي يحاول النظام غسل أدرانه بها!
نموذج الدولة وطريقة حكمها وأسلوب تعاملها مع مواطنيها والآخرين من شعوب ودول طريق واسع للدعوة إلى الفكرة التي تتبناها وتقوم عليها الدولة وهذه نقطة غاية في الخطورة والأهمية.
الشعب في إيران يحتاج إلى نظام يعيده إلى أمته ويقدم نموذجا صالحا للحكم بل إن الأمة الإسلامية كلها اليوم بحاجة لتقديم نموذج مشرق في الحكم يجسد النظرة الإسلامية للكون والحياة والإنسان وعلاقتها ببعضها لتنعم الشعوب المسلمة وغير المسلمة في إيران وتركيا بل وشعوب العالم بعدل حكم الإسلام وطريقته الفريدة في العيش عبر رجال دولة يمثلون الإسلام خير تمثيل بالقول والممارسة يفهمون نصوصه العظيمة ويطبقونها بروح العصر وأدواته.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس