صحيفة فيرست بوست الهندية - ترجمة وتحرير ترك برس
من بين آخر النجاحات العديدة التي حققها فيلم "روما" للمخرج ألفونسو كوارون منذ صدوره، تمكنت هذه الدراما العائلية من الفوز بثلاث جوائز أوسكار. وقد استحق هذا الفيلم كل التتويجات التي حصدها بفضل تصويره الصادق لحياة التهميش والمعاناة التي تعيشها الفتيات الثلاث بطلات القصة. وقد اتجه اهتمام متابعي الإنترنت إلى الموضوع الذي أثاره هذا الفيلم، والتفاصيل الاجتماعية والإنسانية التي طرحها، فيما يتعلق بوضعية المرأة.
وعلى الرغم من تركيز الفيلم على حياة الخادمتين الشقيقتين كليو وأديلا، إلا أنه لم يتعرض إلى خلفيتهما وقصتهما الشخصية والتزم بخط الرواية. لذلك نحن لا نعلم الكثير حول نظرة كليو نفسها للأحداث التي تعيشها. ولكن هذا الجانب الذي غفل عنه المخرج ألفونسو كوارون، تطرق له فيلم آخر لا يقل إبداعا وكمالا عن فيلم "روما". وفي غياب الشركات العملاقة مثل "نتفليكس"، صدر فيلم تركي لم يحظ بالشهرة التي يستحقها لحد الآن، وهو فيلم "قصة الشقيقات الثلاث"، للمخرج التركي أمين ألبير، الذي يبدو واعدا.
خلال مهرجان برلين للسينما الذي انتهت فعالياته مؤخرًا، قدّم أمين ألبير فيلم "قصة الشقيقات الثلاث" في قسم المسابقات من هذا المهرجان. وعلى الرغم من أن الفيلم لم يحصل على أي جائزة، إلا أنه حاز على إعجاب بعض النقاد، وكانت هناك نقاشات وانقسامات حياله.
ويندرج فيلم "قصة الشقيقات الثلاث" ضمن نوعية أفلام المخرج الروسي أنطون تشيخوف، بمعنى أنه قاتم وكئيب بشكل جميل وجذاب. وقد أقر المخرج التركي بأنه استلهم بعض أفكاره من قصة مماثلة ألفها أنطون تشيخوف. كما أن الفيلم التركي مشابه لفيلم "روما" للمخرج ألفونسو كوارون من جانب آخر، وذلك من خلال تركيزه على قصص النساء اللواتي كن يعملن كخادمات في منزل عائلة رجل غني في بلدة بعيدة.
وتدور أحداث القصة حول ثلاث شقيقات، ريحان ونورهان وحواء، وتجسد أدوارهن الممثلات جيمري إيبوزيه، وإيجي يوكسيل، وهيلين كنديمير، في بلدة بسيطة وجميلة في شمال شرق تركيا، حيث لا تزال حياة المرأة تحددها إرادة الرجل. وفي داخل غرفة جلوسهن الواسعة التي تضاء بنار الحطب وتستخدم أيضا كمطبخ وغرفة نوم وغرفة طعام، تتأرجح العلاقة بين الفتيات ما بين الترابط والتقارب أحيانا والخصومة والتوتر أحيانا أخرى، أمام حالتهن المتراوحة بين السعادة والشقاء أثناء عملهن في مخض الحليب.
في هذا الفيلم، تمثل ريحان الأخت الكبرى والأكثر حكمة، ولكن بسبب تركها وحيدة للعمل لدى عائلة غريبة خلال سنوات مراهقتها، اتخذت بعض القرارات الخاطئة وانتهى بها الأمر إلى أن أصبحت حاملا، تماما كما حدث مع كليو في فيلم روما. ولكن الفرق هو أن رب عمل ريحان لم يكن متعاطفا معها كما حدث مع كليو، وقرر إعادتها إلى بلدتها لتعيش في بيت والدها الفقير، حيث ظلت تعمل في رعي الغنم وتعتني بمولودها، وفي النهاية تزوجت براع يعمل لدى والدها، كان يحمل نوايا طيبة ولكنه لا يتمتع بخصال اجتماعية كافية.
أما الفتاة الأصغر سنا، وهي حواء، وعمرها لا يتجاوز 12 عاما، فقد وضعت نصب عينيها هدفا تصبو لتحقيقه، يتمثل في تجهيز حقيبتها والتوجه إلى المدينة لأخذ مكان شقيقتها في منزل العائلة الغنية. وتبدو الفتيات كأنهن يحملن آمالا محدودة وبسيطة وقابلة للتحقيق، حيث أنهن يردن فقط العمل كخادمات في البيوت. ولكن يصعب عليهن تحقيق هذا الهدف وبذلك يكتشفن أنه ليس من السهل تحسين ظروف حياتهن ولو قليلا. ورغم هذا الإحباط، يصور الفيلم الشقيقات الثلاث على أنهن من النوع المكافح، حيث يقاتلن وأحيانا يتقاتلن فيما بينهن، ويتعزز الرابط بينهن في ظل الموارد المحدودة المتاحة لديهن.
ربما من خلال إبراز حياة هؤلاء النساء الثلاث، فإن كلا الفيلمين يشتركان في أنهما يقدمان مشاهدة سلبية دون تقديم أي وجهات نظر نقدية أو طرح أسئلة هامة. فعلى سبيل المثال، تطرق فيلم "الشقيقات الثلاث" إلى العادة التركية المتمثلة في إرسال الفتيات المنحدرات من عائلات فقيرة لتتبناهن عائلات غنية، وتتم معاملتهن كخادمات. وعلى الرغم من أنه كان يتم تشجيع الفتيات على مناداة رب المنزل بـ "أبي" وزوجته بـ "أمي"، إلا أنهن لم يكن أبدا يحظين بمعاملة تليق حقيقة بأحد أفراد العائلة. فقد كن دائما في منزلة أقل من غيرهن.
وقال المخرج أمين ألبير في حوار له مع الصحافة الأوروبية: "أنا أيضا تربيت على يد خادمة كانت تعيش في بيتنا، وكنت دائما مصدوما من هذه الوضعية". وفي الواقع، يمثل هذا الأمر صفة مشتركة بين ألفونسو كوارون وأمين ألبير، اللذين استلهما فكرة الفيلم من أحداث طفولتهما، حيث أن كلا منهما نشأ مع مربية تعيش معه في المنزل.
ولكن الملاحظ هو أنه لم يتم الحديث عن هذه العادات والتقاليد في "روما"، بينما ركز الفيلم التركي على المجتمع الذكوري والقواعد الاجتماعية الصارمة ضد المرأة، والطبيعة اليائسة للحياة في الريف. لقد اعتمد ألفونسو كوارون في فيلمه على إطار زمني يعود إلى سبعينيات القرن الماضي في المكسيك، وقام بمزج الأوضاع السياسية الصعبة حينها إبان ذروة الحركات الاحتجاجية الطلابية، ليضفي على الفيلم لمسة مكسيكية. أما النسخة التركية لأمين ألبير فقد ركزت على الآمال الشخصية والمآسي والدراما، وهي لا تبدو مرتبطة بزمن معين، ويمكن تخيل وقوعها في أي فترة من تاريخ تركيا.
وعلى الرغم من التباين الجغرافي بين فيلمي روما وقصة الشقيقات الثلاث، إلا أن كلاهما يتشابهان في الروح وفي الرواية الأساسية التي تعكس حياة عدد كبير من النساء اللواتي يعانين من التهميش. وربما الفرق الوحيد والمؤسف هو أن الفيلم التركي لم يحظ بنفس الدعاية والانتشار مثل فيلم روما.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!