مجاهد مليجي - أخبار تركيا
ﻻ يخفى على المتابع للاوضاع اﻻقليمية المحيطة بالدولة التركية خلال السنوات القليلة الماضية ﻻسيما منذ اندﻻع ثورات الربيع العربي ان يرى تركيا وقد وجدت نفسها في وضع ﻻ تحسد عليه؛ حيث تقوم بدور سياسي يحظى بقدر لا بأس به من الاستقلالية خارج اطار ما يرسمه بلاطجة السياسة العالمية ممثلة في القوى الصهيو-امريكية والمتحالفين معهم .
كما ان تركيا تمارس دورا سياسيا يتسم بقدر كبير من الرشادة والحكمة و البراجماتية المستقلة التي تكرهها امريكا واسرائيل وذيولهم في المنطقة واذرعهم اﻻقليمية.
لمع نجم رجب طيب اردوغان حينما فاز بانتخابات الرئاسة التركية من اول جولة وفي اول مرة يتاح للمواطن التركي العادي ان يقترع ﻻختيار رئيس الجمهورية بانتخابات حرة ومباشرة؛ وذلك منذ تأسيس تركيا الحديثة على يد اتاتورك ..
وقبل ذلك طوال عقد كامل تمكن حزب العدالة والتنمية الذي اسسه أردوغان في العام 2002 من حصد اعلى اﻻصوات اﻻنتخابية للمرة الثالثة على التوالي وللعام الثاني عشر دون انقطاع؛ اﻻمر الذي اغاظ خصوم أردوغان في الداخل لاسيما خصومه اﻻيديولوجيين والسياسيين وكذلك خصوم المشروع الذي افرز أردوغان وهو مشروع أستاذه الراحل نجم الدين اربكان .. ضحية العسكر في نهاية القرن المنصرم.
لم يقف رجب طيب اردوغان مكتوف اليدين عندما اندلعت ثورات تونس ومصر وليبيا وسوريا ولم يتورط في مساندة طرف على حساب آخر ، ولم يجعل من بلاده طرفاً فيما يحدث في ايِ قطر من هذه اﻻقطار سواء قبل ثورات الربيع العربي، او خلال تمكنها، وحتى بعد صعود الثورات المضادة ومحاوﻻت اجهاض تلك الديمقراطيات الوليدة والثورات الغضة على يد تلك اﻻنظمة العتيقة مما يطلق عليه في العلوم السياسية “الدولة العميقة”..
فكانت سياسة تركيا الواضحة وضوح الشمس هي احترام المشروعية التي اقرتها هذه الشعوب مهما كان حجم اﻻتفاقات او اﻻختلافات معها ، وهو ما دفعه الان للتعامل مع نظام تونس الذي يقوده الباجي قايد سيبسي الذي جاء نتيجة انتخابات ديمقراطية في تونس ؛ بينما اتخذت تركيا موقفاً شديد الحدة من اﻻنقلابات العسكرية في كلا من مصر واليمن وليبيا وبلا تردد ؛ لانها انقلابات ضربت بإرادة الشعب عرض الحائط .. بل وزادت انها استباحت دماء واموال واعراض الرافضين لها بكل وحشية وعنف يرفضه جميع العقلاء.
الدعم التركي الواسع لثورة الشعب السوري
فحين اندلعت الثورة السورية من اول وهلة كان موقف تركيا الى جانب الشعب السوري، وساندت حقه في الحصول على الحرية والديمقراطية والحياة الكريمة، وحينما تأزمت الاوضاع وكشر بشار الاسد عن انيابه وفضح صمود الشعب وحشيته فأطلق كلاب نظامه المسعورة على الشعب الاعزل قتلا وتشريدا وتدميرا وتعذيبا وحرقا فهرب مئات الالاف من جحيم بشار باتجاه الحدود التركية والتي فتحت حدودها للفارين من هذا الجحيم ، واحسنت ضيافتهم، ووفرت لهم كل ما تستطيعه الدولة التركية من مساعدات وخدمات دون اشعار الاشقاء السوريين بالحرج؛ حتى ان الشعب التركي في غالبيته رحب باستضافة ابناء الشعب السوري الذين طالتهم يد القتل والتدمير من كلاب بشار والبلاطجة والشبيحة واعوانهم فنصبت لهم المخيمات واستقبلتهم ووفرت لهم الخدمات الصحية واحيانا التعليمية الى جانب ما يحتاجون اليه من مواد غذائية تعينهم على اعباء الحياة القاسية في ظل اللجوء.
وقامت بتوفير وتهيئة اسباب اقامة انسانية تليق باخوة الدين والجيرة من ابناء الشعب السوري مع اشقائهم الاتراك الكرام، وهكذا من اول يوم وقف رجب طيب اردوغان وحكومته الى جانب الثورة السورية واحرار سوريا، حتى انه اتخذ موقفا صلبا من ايران مطالبا اياها بعدم التدخل في سوريا بمساندة نظام بشار الذي يقتل شعبه ، ونظير موقفه المبدئي لم يلتفت أردوغان الى امكانية تأثر المصالح الاقتصادية التركية –الايرانية والتي قد تتجاوز قيمتها مليارات الدولارات وذلك من اجل التأكيد على الموقف المبدئي للحكومة التركية بحق الشعوب العربية وغيرها في ممارسة الديمقراطية والحرية ووضرورة انهاء الديكتاتوريات العربية.
كما تجلى هذا الموقف المبدئي في تعامله مع التحالف الدولي الذي دعا اليه الرئيس الامريكي اوباما لضرب ما يسمونه ” تنظيم داعش” ، والذي يرى الكثير من المعنيين بالشان السوري والعراقي على وجه الخصوص انه صناعة ايرانية امريكية لإجهاض نجاحات الشعب السوري الثائر بعد ان نجح الجيش الحر في تحرير اكثر من 60% من مساحة الدولة السورية، وبسط سيطرته عليها بصورة كاملة ؛ ثم فوجئ الثوار وفوجئ العالم بظهور ما يسمى بـ “تنظيم داعش” في فبراير من العام 2013 والذي لم يتجاوز عمره العامين إلا انه استخدم لضرب الثورة السنية في العراق ، كما استخدم لضرب ثورة الشعب السوري لاجهاضها ؛ وهو ما يؤكد انه لا يعدو كونه شجرة خبيثة باذرع مخابراتية ايرانية روسية امريكية لدعم نظام بشار ليدمر الثورة السورية .
ومنذ بداية الثورة وقد اعلن رجب طيب اردوغان منذ اول وهلة موقفه الداعي للاطاحة بنظام بشار الاسد حتى تستقر الاوضاع في سوريا ، ويتم اعادة بناء الدولة السورية الخالية تماما من نظام الاسد وشبيحته ورموزه ؛ بل و محاكمتهم حتى تصبح سوريا للسوريين .. وبالفعل نجح اردوغان في الحصول على موافقة الادارة الامريكية على الشروع بالفعل في تدريب قوات المعارضة السورية عسكريا وإمدادها بالسلاح اللازم للتصدي لقوات بشار الاسد واعوانهم ممن يتخفون وراء لحاهم سواء من الصفويين او اتباع حزب اللات او الدواعش فكلهم سواء حتى يتم تحرير سوريا واعادتها للشعب السوري.
وبالرغم من ان حجم التجارة البينية والتبادل الاقتصادي بين نظام بشار وبين تركيا كان كبير للغاية قبيل اندلاع الثورة إلا ان تمسك تركيا اردوغان بالموقف المبدئي ودعمها لحق الشعب السوري في الحرية والديمقراطية جعله يتغاضى عن هذه المصالح التجارية القصيرة املا في دعم تحرر الشعب السوري من الطغيان والاستبداد الاسدي وقد نجح اردوغان في الوصول الى ما يريده على الصعيد السوري .
ولا يفوتنا ان نسجل الموقف العظيم للشعب التركي والحكومة التركية من دعم ومساندة اكثر من ثلاثة ملايين سوري في طول تركيا وعرضها دون تململ وان كانت الارقام الرسمية تشير الى نصف هذا الرقم وفقا للسجلات الرسمية منذ نهاية 2012 وحتى اليوم .
معاداة الانقلابات العسكرية بشراسة
واذا تركنا سوريا وتوجهنا الى مصر فلنا ان نتحدث بلا حرج على الموقف المبدئي للحكومة التركية والمسئولين الاتراك على مختلف المستويات من الانقلاب العسكري الدموي في مصر، وقبله من نظام المخلوع حسني مبارك ، حينما وقفت تركيا الى جانب ثورة الشعب المصري التي حسمها في خلال فترة قصيرة مقارنة بما حدث في سوريا واليمن وليبيا حيث اسقط مبارك في اقل من ثلاثة اسابيع من النضال في ميدان التحرير وكل ميادين التحرير في مختلف محافظات مصر ما عجل باسقاط راس النظام انذاك وانهيار منظومته الامنية ..
وهنا فان الدولة التركية لم تتوانى عن دعم الشعب المصري من اول يوم منذ اعلان تنحي المخلوع مبارك وبدات في تحريك موقفها المبدئي بشكل علني وواضح واتخذت العديد من القرارات التي تزيل العواقب في العلاقة بين الشعبين المصري والتركي واتخذت من الاجراءات التي تسهل التعاون التجاري والاقتصادي والصناعي بين البلدين ، كما لجأت الى تسهيلات دبلوماسية لتحقيق نفس الغرض فألغت التاشيرة بين البلدين لمن هم دون 18 ، وفوق الـ45 سنة ، كما فتحت ابوابها لنقل تجربتها الديمقراطية والاقتصادية والتكنولوجية الصناعية ، ولتبادل الخبرات مع الشعب المصري وقدمت المنح واقرضت الرئيس الشرعي المنتخب مئات الملايين لدعم انتشال الشعب المصري ومساعدته لوضع قدمه على الطريق .
وفي ذات الوقت بمجرد حصول الانقلاب العسكري الدموي على اول رئيس شرعي منتخب لم تتوان تركيا في اعلان رفضها التصريح لهذا الانقلاب واخذت منه بكافة اجهزتها موقفا عدائيا شرساً لاسيما وان تركيا مرت بتجارب انقلابات عانت منها الامة التركية عشرات السنين ولا تريد ان ترى هذه الطريقة الوحشية الدموية في اغتصاب السلطة والسيطرة على مقاليد الامور بقوة الدبابة وعلى جماجم ابناء الشعب الرافضين له .. فكان موقف الرئيس التركي رجب الطيب اردوغان اللاذع لقائد الانقلاب العسكري في مختلف المحافل الدولية فضلا عن الانتقادات والهجوم المتواصل على احكام الاعدامات بالالاف للمعارضين للانقلاب وادانة الانتهاكات بحق الشعب المصري وبحق كل شرائح المجتمع المصري من طلاب ورجال ونساء وفتيات حيث فقد الانقلابيون عقلهم وانطلقوا ينهشوا في لحوم ودماء الشعب المصري ؛ بل ويحصدون الارواح بلا رقيب ولا حسيب وبلا ادنى محاسبة من عصابة السيسي المجرمة الحاكمة .
وفي الحالة الليبية نجد ان موقف تركيا المبدئي لم يتغير .. فهي ترفض الانقلاب الذي يقوده حفتر وتسعى لتقريب الفرقاء في ليبيا ولا تنساق وراء اطماع ضعاف النفوس من امثال السيسي ومن ورائه ولكنها انطلاقا من مبادئها الثابتة ترفض الانقضاض في ليبيا على السلطة ؛ بل واسندت الملف لاحد امهر السياسيين الاتراك الذين شغلوا منصب نائب رئيس الوزراء في عهد حكومة رجب طيب أردوغان ليصبح اليوم مبعوث تركيا ومستشار الرئيس اردوغان لشئون ليبيا والمغرب العربي الدكتور آمر الله ايشلر ما يؤكد ان النظام التركي في ظل رئاسة أردوغان يغلب لغة المبادئ على لغة المصالح ويوازن بينهما احيانا انتصارا للمظلومين ودفاعا عن الحرية والديمقراطية ومعاداة للاستبداد والديكتاتورية لاسيما التي تأتي بانقلابات عسكرية كما هو الحال في مصر وليبيا واليمن.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مواضيع أخرى للكاتب
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس