د. علي حسين باكير - القبس الإلكتروني
بدأت أنقرة رسمياً في الاستعداد لتسلم منظومة «اس - ٤٠٠» الروسية للدفاع الجوي، حيث من المتوقع أن تصل بشكل كامل خلال بضعة أيام فقط. ووفقاً لتصريحات كان الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان قد أدلى بها يوم الإثنين الماضي، فقد شرعت روسيا في تحميل المنظومة على وسائط نقل جوّية لإرسالها الى تركيا، مشيراً إلى أنّ الحصول على هذه المنظومة سيكون له تأثير إيجابي على الأمن في تركيا والمنطقة بأسرها.
وتشير بعض التقارير إلى أنّ الدفعة الأولى من المنظومة كانت قد وصلت مساء أمس من دون أن يصدر أي تأكيد رسمي حول الموضوع. وكان مسؤولون أميركيون قد حذّروا من أنّه لا يمكن لتركيا أن تجمع بين هذه المنظومة والحصول على مقاتلات «اف - ٣٥» المتعدّدة المهام، واذا ما أصرت تركيا على الحصول على المنظومة الروسية فستكون هناك عقوبات من دون شك.
وعلى الرغم من أنّ الرئيس التركي كان قد قال إنه لا يتوقع حصول عقوبات أميركية وأنّ نظيره الأميركي دونالد ترامب أكّد له أنّه لن تكون هناك عقوبات على تركيا جرّاء هذا الأمر، إلاّ أنّ تصريحات المسؤولين الأميركيين في وزارة الدفاع والخارجية والكونغرس لا تزال تذهب في عكس هذا الاتجاه، مشيرة إلى أنّ تركيا ستواجه تداعيات سلبية حقيقية إذا لم تتراجع قبل نهاية الشهر الحالي.
ويدرس الجانب التركي الآن الأماكن المناسبة لنشر المنظومة، وأكّدت بعض التقارير أنّه سيتم نشر بطارية في قاعدة أكينجي الجويّة في بلدة كهرمان كازان في العاصمة أنقرة. وفي ظل حالة الغموض هذه والتجاذبات التركية - الأميركية المتزايدة، يرى البعض أنّه لا يزال بالإمكان الوصول إلى حل وسط في الموضوع. أنقرة كانت قد اقترحت تشكيل مجموعة مشتركة لدراسة المخاوف الأميركية حيال المنظومة الروسية، لكن مع تجاهل واشنطن لهذا الطرح، هناك من يرى أنّ أنقرة قد لا تستعجل نشر المنظومة أو وضعها في موضع عملي وأنّ إبقاءها غير فعّالة قد يساعد في التوصل إلى حل وسط مع واشنطن.
نقل المنظومة إلى الخارج
في المقابل، تكرر مؤخراً الحديث عن إمكانية أن تقوم تركيا بنقل النظام الدفاعي الصاروخي «اس - 400» إلى أذربيجان أو قطر وذلك للتخلّص من المأزق الذي يضعها بين مطرقة أميركا وسندان روسيا ولتفادي عقوبات أميركية محتملة قد تبدأ مع نهاية الشهر الحالي. ونقلت بعض وسائل الإعلام الأسبوع الماضي عن بعض المصادر قولها إنّ خيار نقل المنظومة إلى قطر أو أذربيجان يخضع لنقاشات. أذربيجان وقطر دولتنا صديقتان لتركيا وتربط القيادة التركية علاقات قوية مع قيادتي البلدين، لكن ما مدى واقعيّة مثل هذا الاحتمال؟ وهل من الممكن فعلاّ أن يكون هناك خيار لنقل المنظومة إلى قطر أو أذربيجان؟
عادة ما تتضمن الاتفاقات المتعلقة بأنظمة التسلّح قيوداً على نقل الأسلحة والانظمة الدفاعية او إعادة بيعها الى أطراف ثالثة وفي بعض الأحيان على طريقة استخدامها والمجال المنوي استخدامها فيه. وتصبح مثل هذه القيود أكثر أهمّية في حالة الأسلحة والأنظمة الدفاعيّة الحسّاسة، ولا يخرج نظام الدفاع الصاروخي الأكثر تطوّراً في العالم (اس-٤٠٠) عن هذا السياق.
ماذا يعني ذلك؟
هذا يعني أنّه لا يمكن لتركيا أن تقرّر من تلقاء نفسها نقل الـ(اس-٤٠٠) الذي ستحصل عليه من روسيا الى جهة ثالثة. واذا ما كان هناك نيّة لمثل هذا الأمر فلا بد أن تكون موسكو على علم بذلك على الأقل، وأن يكون هناك موافقة وهو امر لا يبدو منطقياً ويتعارض مع أولويات ومصالح موسكو كذلك.
حتى إذا ما قررنا تجاهل هذه النقطة المهمّة والمحوريّة حول نقل الأسلحة أو بيعها الى أطراف ثالثة، فثمّة مجموعة أخرى من العوامل التي تؤكّد عدم إمكانية حصول مثل هذا الأمر.
سبق لقطر أن أبدت اهتمامها بالحصول على منظومة (اس-٤٠٠) الروسية، وقد أكّدت ذلك تصريحات رسمية قطرية منذ عام ٢٠١٧. لذلك، نظريا على الأقل، يمكن القول إنّ الدوحة مهتمّة بالحصول على المنظومة لأغراض سياسيّة في المقام الأوّل أكثر من كونها عسكرية، فهي تأمل أن تؤدي مثل هذه الصفقات الى تحييد روسيا على الأقل في الأزمة الخليجية، أو حتى الحصول على دعمها. لكن اذا كانت واشنطن قد اعترضت على أنقرة خوفاً من أن يُعرّض مقاتلات (اف-٣٥) المتعددة المهام الى الخطر، فانّ نفس الحجّة ستكون قائمة في الحالة القطرية، سيما أنّ الدوحة تعتبر مقرّاً لأكبر قاعدة عسكرية أميركية في المنطقة، حيث تضم قاعدة العديد مقر القيادة المركزية الاميركية في الشرق الاوسط. والقبول بنشر منظومة (اس-٤٠٠) في قطر، يعني أنّ واشنطن ستمتنع أيضاً بشكل نهائي عن نشر مقاتلات (اف-٣٥) في المستقبل في قاعدتها هناك وهو امر من غير الممكن تصوّره.
بالنسبة الى أذربيجان، فهي من دون شك واحدة من أقرب الدول الى تركيا وعلاقاتهما وثيقة للغاية. في هذا السياق، لا يوجد ما يمنع نظرياً من دراسة هذا الخيار لكن المشكلة أن أذربيجان منخرطة منذ عقود في صراع مرير مع أرمينيا. وتعتبر موسكو أكبر داعم سياسي ومالي وعسكري لأرمينيا في الصراع مع أذربيجان، ولذلك وضمن هذه المعطيات يصبح من شبه المستحيل تصوّر أن تقبل روسيا بأن يجري نقل منظومة الدفاع (اس-٤٠٠) التي باعتها لتركيا الى أذربيجان. هذا غير ممكن على الإطلاق.
خلاصة القول انّ مثل هذه الافتراضات التي تقول بإمكانية نقل منظومة الدفاع الروسية (اس-٤٠٠) التي حصلت عليها تركيا الى أذربيجان أو قطر لا تستند الى معطيات واقعية، ولا يوجد بيئة مناسبة لتطبيقها حتى اذا افترضنا وجود نيّة لفعل ذلك.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مواضيع أخرى للكاتب
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس