إسماعيل ياشا - العرب القطرية
تركيا شهدت الأسبوع الماضي أحداثا استهدفت أمنها واستقرارها، بدءا من انقطاع الكهرباء في معظم مدن البلاد لعدة ساعات، وبلاغات كاذبة بوجود قنابل في طائرات الخطوط الجوية التركية، واحتجاز المدعي العام «محمد سليم كيراز» في القصر العدلي وقتله، إلى الهجوم المسلح على مديرية الأمن باسطنبول وأحد مقرات حزب العدالة والتنمية. وكل هذه الأحداث والهجمات الإرهابية لا يمكن اعتبارها منفصلة عن بعضها.
عملية احتجاز المدعي العام وقتله وكذلك الهجوم على مديرية الأمن مقر حزب العدالة والتنمية تبنتها المنظمة الإرهابية المسماة «جبهة حزب التحرير الشعبي الثوري»، وهي منظمة ترفع شعارات ثورية ويسارية ولكنها مرتزقة لدول إقليمية وتتلقى دعما من النظام السوري واليونان. وكان «مهراج أورال» الملقب «جزار بنياس» أو «علي كيالي»، كما يطلق عليه في سوريا، من قادة هذه المنظمة قبل أن ينفصل عنها ليؤسس منظمته «المقاومة السورية» التي تقاتل اليوم في الأراضي السورية إلى جانب النظام ضد إرادة الشعب السوري وثورته. وللمنظمة معسكرات في سوريا واليونان ودول أخرى معادية لتركيا، وذكرت وسائل الإعلام التركية أن قوات الأمن تمكنت من كشف اتصالات بين الإرهابيين اللذين احتجزا المدعي العام وبين زعيم المنظمة «حسين فوزي تكين» المسجون في اليونان وأن هذا الأخير هو الذي أمر الإرهابيين بقتل كيراز دون أن يسمح بنجاح محاولات الوساطة وإنقاذ المدعي العام.
هذه المنظمة المتطرفة التي لا تتمتع بشعبية في الشارع التركي كثفت أنشطتها بعد إطلاق الحكومة التركية عملية السلام الداخلي ومحادثات المصالحة مع حزب العمال الكردستاني، ما يعني أنها مدفوعة لاستنزاف تركيا وقدراتها وإشغالها بالداخل بعد أن ينسحب حزب العمال الكردستاني من ساحة المعركة.
الأحداث الأخيرة ليست بعيدة أيضا عن الانتخابات البرلمانية التي ستجرى بعد حوالي شهرين، ومن المتوقع أن تزداد محاولات توتير الأجواء بهجمات مماثلة كلما اقترب موعد هذه الانتخابات الحاسمة، لأن القوى المعادية لحزب العدالة والتنمية لم يبق لديها أمل في إسقاط الحكومة عبر صناديق الاقتراع وحملات التشويه، بعد هزيمتين كبيرتين منيت بهما في الانتخابات المحلية والانتخابات الرئاسية، وفي ظل استطلاعات الرأي التي تشير إلى فوز حزب العدالة والتنمية وحصوله على ما يقارب نصف أصوات الناخبين.
قائمة المتهمين بالضلوع في الأحداث الأخيرة والواقفين وراءها تطول، ويبدو أن هناك تنسيقا وتعاونا بين أطراف مختلفة، داخلية وخارجية، يجمعها العداء لتركيا وحكومتها، لأن بعض تلك الأحداث فوق قدرة منظمة إرهابية متطرفة كـ»جبهة حزب التحرير الشعبي الثوري» وإمكاناتها، مثل قطع الكهرباء عن معظم المحافظات لعدة ساعات، ما يعني أن هناك يدا خارجية تتدخل أو اختراقا من الداخل يسهل للإرهابيين مهمتهم.
المدعي العام «محمد سليم كيراز» رحمه الله كان يحقق في ملف مقتل الفتى بركين ألفان بعد إصابته بجروح بالغة خلال المظاهرات الاحتجاجية في يونيو 2013، وكان يسعى جاهدا لكشف ملابسات هذا الحدث الأليم الذي استغلته المعارضة والمجموعات اليسارية المتطرفة. ويرى بعض المراقبين أن المدعي العام ربما توصل إلى هويات رجال الشرطة الذين استخدموا القوة المفرطة خلال تفريق المتظاهرين بشكل متعمد لتأجيج الاحتجاجات أو خيوط تكشف عن الجهات التي تقف وراء الأحداث، ما دفع تلك الجهات إلى قتل المدعي العام لإسكاته وإخفاء الأدلة.
هذه الأحداث الأخيرة يمكن اعتبارها امتدادا لأحداث «غزي باركي»، اشتباك مجموعات يسارية متطرفة مع قوات الأمن وقيامها بأعمال التخريب بدعوى الاحتجاج على قطع بعض الأشجار، ومحاولات الانقلاب على الحكومة المنتخبة باستغلال القضاء. وكلما فشلت محاولة جاءت وراءها أخرى بطريقة مختلفة ولكن جميعها انتهت إلى العاقبة نفسها.
تركيا تدفع ثمن مواقفها المشرفة من الثورة السورية والقضية الفلسطينية وعملية عاصفة الحزم، وفتح أبوابها للاجئين السوريين، ووقوفها إلى جانب مطالب الشعوب وتطلعاتها. ولكنها قادرة – بإذن الله – على مواجهة جميع التحديات والضغوط والمؤامرات وإفشالها، لأن غالبية الشعب التركي تدرك جيدا ما يراد من تركيا وتلتف حول الحكومة لحماية الإرادة الشعبية وأمن البلاد واستقرارها من العابثين والحاقدين.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس