د. باسل الحاج جاسم - independent عربية
استضافت موسكو قبل أيام، قمة ثلاثية جمعت بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأذربيجاني إلهام علييف ورئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان، وذلك بعد مرور شهرين على انتهاء العمليات العسكرية بين أرمينيا وأذربيجان في إقليم ناغورنو قره باغ بوساطة روسية.
وكان مستحيلاً الدخول في تفاصيل وجوانب التسوية في البيان الثلاثي الروسي- الأذربيجاني- الأرميني، بعد وقف حرب قره باغ الثانية في 10 نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، نظراً إلى أنه تم التوصل إليه في سباق مع الزمن وأثناء خوض معارك ضارية بين أرمينيا وأذربيجان.
فتح طرقات
ويسمح الإعلان الثلاثي الجديد لأذربيجان بإقامة اتصالات مع جمهورية ناخشيفان الأذرية، ويتيح لأرمينيا الحصول على وصلة للسكك الحديد المؤدية إلى روسيا. ويرسم الإعلان الجديد مساراً للاتفاق الذي أنهى الحرب العام الماضي، ويهدف إلى خلق وضع جديد تماماً، ليس فقط بين البلدين الجارين أذربيجان وأرمينيا، وإنما في منطقة جنوب القوقاز ككل. ويتجاوز الوضع الجديد العوائق الجغرافية السابق عبر "إلغاء حظر النقل"، فبعد أكثر من 30 سنة، سيكون لأذربيجان عبر أراضي أرمينيا، اتصالات مع جمهورية ناخشيفان ذات الحكم الذاتي، وسيكون لأرمينيا خط سكة حديد يصل إلى روسيا وإيران عبر أراضي أذربيجان.
كما ستتمكن أذربيجان أيضاً من الوصول إلى السوق التركي من خلال جمهورية ناخشيفان، وسيتم ربط باكو بالسكك الحديد التركية والروسية. ويعني ذلك أن الإعلان الثلاثي يفتح آفاقاً كبيرة تتجاوز أهميتها تسوية النزاع على ناغورنو قره باغ. وستتابع مجموعة العمل التي تشكلت خلال قمة موسكو الثلاثية، على متابعة تنفيذ تلك المشاريع، وتقديم التقارير الدورية.
ويمكن القول باختصار إن قمة موسكو الثلاثية عززت البيان الثلاثي السابق الموقع في 10 نوفمبر الماضي، ولم يعد هناك حديث عن الحرب ولا عن الوضع الذي كان سائداً قبلها، بل يدور الكلام اليوم حول الاستفادة من فتح شرايين النقل التي كانت موجودة قبل 30 سنة، وفتح طرق نقل جديدة في المنطقة.
كما يمكن اعتبار الاجتماع الثلاثي الذي عُقد في موسكو بمبادرة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ناجحاً، إذ كانت نتيجته الرئيسة هي اتفاق الطرفين على تشكيل مجموعة عمل على مستوى نواب رؤساء الوزراء، في حين أن الوضع الذي كان سائداً بين الجارتين أرمينيا وأذربيجان وتطور خلال 30 سنة ماضية، تم حل أجزاء كثيرة من عقده، باتت من الماضي.
ويعني كل ما سبق أنه في المستقبل القريب سيتم بناء طريق إلى تركيا عبر ناخشيفان، ما سيؤدي إلى زيادة إمكانات أذربيجان الاقتصادية بشكل كبير، إضافة إلى ذلك، سيتم بناء طريق عبر أراضي أذربيجان يربط بين أرمينيا وروسيا، ما سيقلل بشكل كبير من اعتماد أرمينيا على جورجيا في الاتصالات والنقل البري، كما سيتم بناء الطرق التي ستربط العاصمة الأذربيجانية باكو والمدن الأخرى بـ"خانكيندي" عاصمة إقليم ناغورنو قره باغ.
المرحلة الثالثة
وبعد قمة موسكو الثلاثية، دخلت باكو المرحلة الثالثة من عودة ناغورنو قره باغ الكاملة إلى أذربيجان، ففي المرحلة الأولى، ونتيجة للأعمال العسكرية النشطة، سيطرت أذربيجان على 40 في المئة من الأراضي التي أخذتها أرمينيا بعد حرب قره باغ الأولى في أوائل التسعينيات. وفي المرحلة الثانية، دخلت أذربيجان في مفاوضات سياسية ودبلوماسية بفضل نجاحات جيشها من دون القيام بعمليات عسكرية، وحققت عودة 30 في المئة من أراضي الإقليم، بينما لا تزال 30 في المئة أخرى من ناغورنو قره باغ خارج سيطرة أذربيجان.
ويرى خبراء ومتابعون أن أذربيجان ستعيد بقية تلك الأراضي ليس بالوسائل العسكرية، ولا حتى بالوسائل السياسية والدبلوماسي، ولكن بالوسائل الاقتصادية، من خلال الاندماج التدريجي لناغورنو قره باغ في أذربيجان. وستحل باكو مشكلة الأرض المتبقية من خلال ضمان اندماج سكان قره باغ الأرمن في المجتمع الأذربيجاني والاقتصاد ونظام الدولة. وتبرز في هذا الشق، مسألة تحسين العلاقات بين الشعبين الأذربيجاني والأرمني.
علامات ودلائل
وأظهرت الصور ومقاطع الفيديو المتداولة، أن إلهام علييف كان راضياً خلال المفاوضات في موسكو، بينما نيكول باشينيان، على العكس من ذلك، لم يكن راضياً. والسبب في ذلك هو أن رئيس وزراء أرمينيا لم ينجح في حل مسألة إعادة 62 جندياً محتجزين في أذربيجان، إذ أُسروا بعد صدور البيان الثلاثي في 10 نوفمبر 2020، بعد ما حاولوا انتهاك الاتفاق الذي تم التوصل إليه.
من جهة أخرى، يُنتظر إجراء المرحلة التالية من المفاوضات على مستوى رؤساء الدول في أبريل (نيسان) المقبل. وفور تقديم مجموعة العمل المشكلة على مستوى نواب رئيس الوزراء اقتراحات ملموسة بشأن تطوير خطوط النقل والمواصلات في المنطقة، سيجتمع قادة روسيا وأذربيجان وأرمينيا مرة أخرى لهذا الهدف.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس