ترك برس
اكتست مدينة إسطنبول خلال الأيام الأخيرة ببياض الثلوج، بعد أن غاب عنها قرابة 3 أعوام.
وتواصل سقوط الثلوج في المدينة التركية، لعدة أيام، حيث بدأ مساء السبت واستمر حتى الأربعاء، الأمر الذي كان كافياً ليغطي إسطنبول بالثوب الأبيض.
اكتساء المدينة بالبياض، عاد بالأذهان إلى الأيام التي شهدت فيها إسطنبول موجات برد شديدة، لدرجة أن مياه مضيق البوسفور الذي يفصل الشق الأوروبي للمدينة عن نظيرتها الآسيوية، تجمدت وصار الناس يعبرون بين الضفتين مشياً على الأقدام.
بدايات تجمّد البوسفور، كانت في أيام الأباطرة وتحديداً في العام 401م أيام الإمبراطور أركاديوس، إذ تجمد البحر الأسود بشكل كامل ووصلت الكتل الجليدية إلى بحر مرمرة وبقيت طافيةً فيه لغاية شهر آذار/ مارس ورافق ذلك تجمد مياه البوسفور والقرن الذهبي بشكل كامل.
وكانت إسطنبول، القسطنطينية آنذاك، على موعد مع تجمده الثاني عام 739م في عهد الإمبراطور ليو الثالث الذي كان يعارض إقامة الصلوات أمام الأيقونات المقدسة، حتى أنه أمر بأن تزال أيقونة المسيح عليه السلام من أمام قصره، وعندما تجمد البوسفور في ذلك العام عزا سكان القسطنطينية ذلك إلى ما اعتبروه تعديًا على القديسين.
وبحلول عام 753م سُجِّلَ تكون كتل جليدية في بحر مرمرة قادمة من البحر الأسود ثم وردت تقارير أخرى عن تجمدات طالت البوسفور في الأعوام 921 و927 و940م.
بعدها مرت فترة تقارب 210 أعوام لم يحدث فيها أي تجمد، أُطلِق عليها "فترة المناخ المثالي" أو "الفترة الدافئة". تلا ذلك في العام 1221 تجمد للبوسفور والقرن الذهبي بشكل كامل. ثم سجل تجمد للبوسفور عام 1232م، وهذه المرة لم يكن المسبب شتاء أوروبا القارس وإنما كان السبب عاصفة ثلجية ضربت مدينة إسطنبول في ذلك العام.
أما خلال الحقبة العثمانية، وبالتحديد في القرن السادس عشر ذكر العالم بيتروس جيلوس أن سطح البحر من منطقة "كاغت خانة" إلى ميناء إسطنبول قد تجمد معيقاً حركة السفن التي كانت تتقدم فقط عندما يتم تكسير الجليد أمامها. لم يذكر في أي عام كان ذلك، لكن من المرجح أنه كان بين عامي 1520 و1550.
في العام 1620م ذكر العالم "هامر بورجستيل" أن جليدا سميكا غطى البوسفور ووصل قارتي أوروبا وآسيا ببعضهما. ثم في العام 1621م ذكر المؤرخ ديميتيريوس كانتيمير في كتابه "تاريخ الإمبراطورية العثمانية أنه "وبسبب البرد الشديد تجمد البوسفور ومشى عليه سكان إسطنبول من شطرها الأوروبي إلى أوسكودار في الشطر الآسيوي."
ويتحدث المؤرخ العثماني "نجدت ساكو أوغلو" عن شتاء ذلك العام، ويشرح كيف تجمدت المياه في القرن الذهبي وغطت طبقات من الجليد كامل المسافة من أوسكودار على الطرف الآسيوي حتى "سراي بورنو" على الطرف الأوروبي، وكان ذلك في عهد السلطان العثماني عثمان الثاني.
وبحلول عام 1669م تجمد البوسفور بشكل جزئي حيث شوهدت كتل جليدية طافية في مياهه، ثم في شباط/ فبراير من العام 1755م تجمد البوسفور ولوحظ فيه أن أهالي إسطنبول أمكنهم العبور من "أورتاكوي" على الجانب الأوروبي إلى "سوتلوجا" على الجانب الآسيوي من المدينة.
وفي عهد السلطان عبد الحميد الأول سُجِّل تجمد في البوسفور نتيجة شتاء قارس ضرب إسطنبول في عام 1779م، حيث شوهدت كتل من الجليد طافية في البوسفور مع تجمد جزئي في منطقة القرن الذهبي.
أما في عهد السلطان عبد المجيد الأول حدث تجمدان، أولهما في عام 1849م، وتحديدا في السادس من شباط حيث تجمدت منطقة القرن الذهبي بشكل كامل، وثانيهما في العام 1857م.
وفي عهد السلطان عبد الحميد الثاني وأثناء خوضه للحرب الروسية العثمانية في العام 1878م تجمد البوسفور والقرن الذهبي، والأمر نفسه عاد وتكرر في العام 1893.
أما في حقبة الجمهورية التركية وبالتحديد عام 1928 حيث سجل أول تجمد للقرن الذهبي جزئيا، ولوحظ وجود كتل جليدية ضخمة في البوسفور.
وفي العام التالي وصلت الكتل الجليدية إلى البوسفور قادمة من نهر الدانوب مارة من البحر الأسود وتراكمت فيه.
وبحلول عام 1954 حدث شتاء قارس في إسطنبول، تراكمت على إثره كتل الجليد في البوسفور، وتوقفت الملاحة البحرية عبره لعدة أيام، وكانت تلك آخر مرة يتجمد فيها البوسفور.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!