سمير صالحة - خاص ترك برس
الضربات الموجعة التي تلقاها النظام السوري على اكثر من جبهة سورية في الأيام الاخيرة تحتم عليه الرد السريع لرفع معنويات الجنود والعودة السريعة الى قلب المعادلات العسكرية والسياسية، رغم أنه يعرف حجم الصعوبات المتزايدة التي تطارده من خلال إلقاء نظرة خاطفة وسريعة على خارطة التحالفات العسكرية والسياسية والتوزيعات الراهنة للقوى والتنظيمات الفاعلة فوق الأراضي السورية.
تحليلات سياسية تركية كثيرة تقول إن دلالات الهزائم الأخيرة لدمشق وشركائها المحليين والإقليميين تدفعها للبحث عن فرص رد جديدة نتوقع أن تكون بأكثر من اتجاه وعلى أكثر من صعيد، وإن التطورات الميدانية الأخيرة في شمال غرب سوريا تحمل معها أكثر من تساؤل وسيناريو في تلك المنطقة الاستراتيجية المتداخلة والمفتوحة على أكثر من محور عسكري وسياسي وعرقي هناك .
أنقرة ترى أولا أن توقيت دخول وحدات تنظيم داعش مجددا بهذا الشكل وقرار اقتحام بعض القرى والسيطرة على مواقع تقع تحت إشراف قوى المعارضة السورية المعتدلة والمدعومة مباشرة من قبل تركيا وبعض الدول الخليجية والغربية رسالة رد نيابة عن دمشق لقطع الطريق على تقدم هذه القوات عسكريا على جبهة حلب وحسم التوازنات القائمة هناك لصالحها وإنه بسبب صعوبة دخول وحدات النظام السوري مباشرة في المعارك لتنفيذ المهمة تبرعت داعش للعب هذا الدور دون أي تردد.
هدف دمشق وأعوانها هنا هو افتعال جبهة كوباني - عين العرب جديدة لكن في شمال غرب سوريا حيث يتواجد جيب منطقة عفرين بتركيبتها العرقية الحالية لتخفف الضغوطات العسكرية عن دمشق بعض الشيء وتوجيه رسائل جديدة للمعنيين حول أن دمشق قادرة على البقاء في قلب المعادلات بشكل او باخر مهما خسرت بعض الجبهات عسكريا.
أنقرة تعرف جيدا ما تسعى اليه دمشق وطهران في هذه المرحلة . محاولة السيطرة على خط حلب - كليس الحيوي والاستراتيجي بالنسبة لقوى المعارضة السورية المقربة من تركيا والتحالف الدولي رسالة إلى أنقرة أن الحرب في سوريا ستطول، وأن ورقة داعش جاهزة دائما لتلعب طالما أن ما يقدم لها على الأرض من فرص يحملها إلى داخل المربعات الجغرافية لمراكز المعارضة السورية المعتدلة ويتركها دائما اللاعب الأساسي الذي لا يمكن إغفال حصته ونفوذه في أي سيناريو يرسمه البعض على حساب التنظيم.
التحرك العسكري الأخير لداعش كما يرى الأتراك لا يؤكد حقيقة ما قالوه باستمرار حول عدم علاقتهم بالتنظيم فقط بل يؤكد حقيقة تحرك هذا التنظيم بالتنسيق مع كل من لهم حسابات يريدون تصفيتها مع تركيا وقطع الطريق على جهودها الفعلية في تجهيز وحدات المعارضة السورية لحسم الأمور عسكريا بعد انتظار طويل للموقف الأميركي الغربي المتردد والذي يبدو أنه محاصر أكثر فأكثر هذه المرة لكشف كل أوراقه التي يلعبها في حديثه مع أنقرة والخليجيين ثم يلعبها بشكل آخر مع طهران وموسكو وهذا ما حذرت منه تركيا منذ سنوات.
تحريك جبهات شمال غرب سوريا وكما ترى القيادات التركية ليس هدفها إيصال داعش إلى منطقة الحدود التركية السورية في معبر باب الهوى بقدر ما هو تعطيل مشروع المنطقة الآمنة الذي سيناقش في اجتماعات باريس التي تزعج دمشق وحلفائها بعدما تراجعت فرص مؤتمرات موسكو والقاهرة لناحية إجلاس النظام السوري والمعارضة حول طاولة واحدة.
أنقرة تعتبر أيضا تفعيل هذه الجبهة في هذه الأيام محاولة مساعدة بعض الأحزاب السياسية التركية المعارضة لتسجيل نقاط تعزز موقعها وحظوظها الانتخابية من خلال لعب ورقة الملف السوري ضد حزب العدالة والتنمية في الداخل السياسي التركي تماما كما حدث قبل أيام في موضوع نشر صحيفة "جمهوريت" اليسارية المعارضة لتفاصيل وأشرطة جديدة حول حادثة إيقاف الشاحنات التركية التي كانت تنقل مساعدات الى سوريا وصفتها قيادات العدالة بانها تأتي في إطار تنسيق داخلي خارجي بإشراف الكيان الموازي لإضعاف مواقف تركيا الإقليمية وإزاحة العدالة والتنمية عن الحكم.
التطورات الميدانية الأخيرة في شمال حلب محاولة أيضا لإفشال مشروع تدريب وتجهيز وحدات من المعارضة السورية المعتدلة عبر تسريع دخول داعش على الخط هناك لدفن هذا المشروع قبل أن يولد لكن ما لا يعرفه التنظيم وأعوانه أن خطة إبعاد التخلص من العدالة في الانتخابات البرلمانية المقبلة سيحمل خطورة أكبر وهي إعلان المعارضة التركية عن نيتها في تغيير سياسة تركيا السورية والانفتاح على النظام في دمشق مجددا أو الخروج من المشهد السوري فهل ستوافق العواصم العربية والأوروبية التي تنسق مع انقرة في الملف السوري خيارا جديدا من هذا النوع تخسر فيه الدور والموقع التركي في توازنات الأزمة السورية الإنذار كانت هذه القوى التي تتبنى التخلص من العدالة تبحث عن وسيلة لتغيير سياستها السورية هي وكان العدالة وسيلة لها في ذلك.
القناعة لدى الأتراك أن لقاء باريس لا بد فعلا أن يقدم الجديد في موضوع المنطقة الآمنة والتنسيق الميداني السريع بعد التفاهم الأمريكي التركي على دعم المعارضة السورية ميدانيا عبر الإصرار على توفير الغطاء الجوي اللازم لها وأن المواجهة الحالية هي بين مشروعي إزاحة العدالة والتنمية وأبعاد تركيا من المشهد السوري وبين مشروع تفعيل خطط التحرك العسكري على الأرض لحسم الأمور وأن داعش ستكون أول من يدفع الثمن مهما كانت نتائج المشروعين.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس