د. صادقي نعيمة - خاص ترك برس
تميز المشهد السياسي في تركيا خلال الحملة الانتخابية للسباق الرئاسي بالتنافس علاوة على صعوبة التكهن بما سيُفرزه الصندوق الانتخابي ، هذه الانتخابات الرئاسية وصفها المتتبعون بالحدث التاريخي أو الاستقلال الثاني ، على اعتبار أن السباق إلى القصر الرئاسي التركي كان يبدو محموما بين مرشحين : الأول يقوده رجب طيب أردوغان مرشحا عن تحالف الشعب ، و الثاني : يقوده كمال كليش دار أوغلو مرشحا عن تحالف الأمة.
تشير إستطلاعات للرأي العام أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان سيحسم الانتخابات الرئاسية لصالحه بالجولة الأولى فقط ، دون اللجوء لجولة ثانية من هنا فمؤشرات فوز أردوغان في الإنتخابات ترتبط بالمكاسب و الإنجازات التي حققتها القيادة السياسية التركية في غضون 22 سنة ، أبرزها تعميق تمظهرات الديمقراطية و الحكم الراشد سياسيا إضافة الى مستويات التنمية الإقتصادية المستدامة ، كما إنتقلت تركيا إلى مصاف القوى الصناعية عسكريا لتكون بذلك قد احتلت المراتب الأولى في الترتيب العالمي لأقوى الإقتصاديات في العالم ، فضلا عن شعبيته و تبنيه لمشروع " القرن التركي " الذي يعني إستكمال تدفق التاريخ مواصلةً لبرنامجه الإنتخابي بما يعني إستمرارية التجربة الإسلامية التركية لأنه نجح في صناعة مجتمع مدني مُوالي له.
فالشارع التركي يعي جيدا أن كمال أوغلو يستخدم استراتيجية الإستقواء بالخارج على الداخل كما انه يتلقى دعما من القوى الأوروبية ، و هو حسب المتتبعين ما سيحدث إنتكاسة في الرصيد الديمقراطي بعد أن قطع أردوغان أشواطا كبيرة لإنجازها ، غير أن استطلاع للرأي العام في تركيا يشير أيضا أن لجوء كمال كليش دار أوغلو لتوظيف صور مفبركة قديمة لأردوغان مع الجماهير و الحشود التركية الهائلة على أنها تجمع لتحالف الأمة سيضعف من حظوظ المعارضة ليغير الكفة لصالح أردوغان.
المعارض كمال أوغلو يسعى في برنامجه الإنتخابي إلى إعادة تركيا لحضن أوروبا ، تقريبها من الغرب أكثر إضافة الى إعادة المهاجرين السوريين إلى وطنهم ، هذا الأخير يعتبر مكسبا يصب في صالح تحالف الشعب، إذ سيجعل أصواتهم من نصيب أردوغان . دون أن ننسى وعوده بإطلاق سراح الإنقلابيين و الإنفصاليين ، علاوة على نيته لتطبيق معايير الإنضمام للنادي الأوربي بحذافيرها في وقت صرف فيه اردوغان النظر عن هذا الهدف بعد الرفض الأوروبي في عديد الجولات لانضمام تركيا وريثة العثمانية الإسلامية لأوروبا المسيحية.
إن إعطاء مساحة للحريات الدينية الإسلامية كالحجاب ، تحويل متحف آيا صوفيا لمسجد ، إضافة إلى التوجه الإسلامي جعل أوروبا تتوجس من الإسلاموفوبيا لتناصر المعارضة و تدعمها ، فالصحف الفرنسية تهاجم اردوغان بهدف ضرب شعبيته حيث عنونت " L’express ": أوروبا ، اللاجؤون ، الشرق الأوسط ..اردوغان خطر الفوضى ، كما عنونت" Le point " : تهديدات الحروب التوسعية كراهية الغرب ..اردوغان بوتين آخر.
بالمحصلة يمكننا القول أن اردوغان مستمر على رأس السلطة لأنه كان في نظر الشارع التركي توافقيا إلى حد ما ، فقد نجح في الحفاظ على الوحدة الترابية رغم الإنقسامات بين ماهو (عسكري – مدني ) ، و ماهو (علماني – إسلامي) ، و في الجمع بين العديد من المتناقضات السوسيو هوياتية.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مواضيع أخرى للكاتب
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس