ترك برس
في أعقاب الهجوم الروسي على أوكرانيا، شهر فبراير 2022، ارتفعت أسعار النفط لتتجاوز حاجز الـ120 دولاراً للبرميل، في يونيو من العام الماضي. ثم تراجع سعر البرميل إلى نحو 70 دولاراً في مايو من العام الجاري، لكنه واصل الارتفاع بثبات بعد ذلك، بالتزامن مع محاولة الدول المنتجة للنفط أن تخفض إنتاجها لتقوية السوق. وقالت السعودية، إحدى كبار الدول المنتجة للنفط، إنها ستخفض إنتاجها بمقدار مليون برميل يومياً، في يوليو. كما وافقت الدول الأخرى الأعضاء في منظمة أوبك+ على خفض إنتاجها بشكل مستمر، في محاولة لرفع الأسعار المتدهورة. يُذكر أن دول منظمة أوبك+ تمثل نحو 40% من إنتاج النفط الخام العالمي، ولهذا تؤثر قراراتها على أسعار السوق بدرجةٍ كبيرة.
قفزت أسعار النفط هذه المرة بسبب المخاوف من أن الوضع الجاري بين غزة وإسرائيل قد يعطل إنتاج الشرق الأوسط، حيث قفز سعر خام برنت القياسي العالمي بقيمة 2.25 دولار/برميل، ليصل سعر البرميل إلى 86.83 دولار، كما ارتفعت الأسعار داخل الولايات المتحدة أيضاً. وأحيت تلك القفزات السعرية المخاوف من فترة ارتفاع أسعار مطولة، قد تعزز التضخم في العديد من أنحاء العالم، حيث أدى خفض الإنتاج بواسطة منتجين كبار مثل السعودية وروسيا إلى رفع سعر خام برنت، ليتجاوز الـ97 دولاراً/برميل في أواخر سبتمبر، قبل أن تنخفض الأسعار بنسبة 11% الأسبوع الماضي، وسط مخاوف من تباطؤ النمو العالمي.
وأمرت إسرائيل شركة النفط الأمريكية العملاقة Chevron بوقف إنتاجها في حقل تمار للغاز الطبيعي، قبالة ساحل البلاد الشمالي، والذي يقع داخل نطاق نيران الصواريخ التي تنطلق من قطاع غزة. فيما قال وزير طاقة إسرائيل، التي أوقفت العمل داخل الحقل خلال فترات الاضطراب السابقة، إن الوقود الذي يأتي عبر المصادر الأخرى يكفي لتلبية احتياجات الطاقة الإسرائيلية. بينما قالت الشركة الأمريكية إن أكبر حقول الغاز البحرية في إسرائيل، حقل ليفياثان، مستمر في العمل بشكلٍ طبيعي، لكن تعليق إسرائيل لإنتاج حقل تمار البحري عزز حالة عدم اليقين، وتسبب في رفع أسعار عقود الغاز الآجلة في أوروبا بنسبة 13%.
الصراع يعزز مخاوف انتشار عدم اليقين على نطاق أوسع في الشرق الأوسط
يُعد مضيق هرمز ضرورياً بالنسبة لدول الخليج المصدرة للنفط، التي بنت اقتصاداتها حول إنتاج النفط والغاز. وليست إسرائيل أو الأراضي الفلسطينية من الدول المنتجة للنفط، لكن منطقة الشرق الأوسط تُنتج نحو ثلث الإمدادات العالمية. وقد ارتفعت أسعار النفط العالمية "نتيجة احتمالية انفجار الوضع على نطاقٍ أوسع، وامتداده إلى الدول الكبرى المنتجة للنفط في المنطقة، مثل إيران والسعودية". وربما يتسبب الصراع في تعقيد جهود إدارة بايدن من أجل الوساطة في اتفاقية لتطبيع العلاقات السعودية مع إسرائيل، ما قد يؤثر كذلك على استعداد المملكة لزيادة إنتاجها النفطي.
ومن ناحية أخرى، تلقت إيران اتهامات بأنها لعبت دوراً في خلفية الصراعات. حيث شهدنا على مدار الأشهر الستة الماضية زيادة كبيرةً للغاية في الإنتاج الإيراني، بسبب ضعف تطبيق العقوبات. وهناك احتمالية كبيرة بأن تبدأ الولايات المتحدة في فرض تلك العقوبات على صادرات النفط الإيراني بصرامةٍ أكبر، ما قد يرفع سعر خام برنت ليتجاوز الـ100 دولار/برميل. وسيؤثر هذا على السوق بنسبة تتراوح بين 0.5% و1% من الإمدادات العالمية، وهذه نسبة كبيرة. لكن مصدر القلق الأكبر لأسواق النفط الآن يتمثل في فرض مجموعة جديدة من العقوبات الأمريكية على إيران، التي تعد ثامن أكبر منتج للنفط الخام في العالم وأحد أعضاء منظمة أوبك+، حيث وصل متوسط إنتاج إيران من النفط الخام يومياً إلى 3.76 مليون برميل حتى العام الماضي، أي ما يعادل 5% من الإجمالي العالمي. وبناءً عليه سيؤدي أي تعطيل كبير في ذلك الإنتاج إلى خفض المعروض العالمي وارتفاع الأسعار، وذلك في المدى القريب على الأقل. وقد يتأثر الإنتاج الإيراني كذلك في حال اختارت الولايات المتحدة فرض عقوبات إضافية على إيران دعماً لإسرائيل.
صراع حماس-إسرائيل قد يكون له تأثير "محدود لكنه مقلق" على أسعار الطاقة
قفزت أسعار النفط الخام بنسبة تتجاوز الـ4% بالتزامن مع اندلاع موجة قتال جديدة بين حماس وإسرائيل، لكن من المستبعد أن ترتفع الأسعار بشكلٍ حاد نتيجةً لذلك الصراع. ويرجع السبب إلى أن الصراع اندلع بين دولتين تختلفان عن بقية دول الشرق الأوسط، مثل السعودية والعراق وإيران، حيث لا تنتج غزة أي نفط، بينما تنتج إسرائيل كميات صغيرة وتستخدم أغلبها محلياً، وقد لا تدوم المكاسب السعرية لوقتٍ طويل إذا اختارت منظمة أوبك زيادة حصص الإنتاج، بينما سيؤثر ارتفاع العائدات وتكاليف الإقراض على الطلب العالمي والنمو الاقتصادي. وربما تكون المكاسب السعرية محدودة حتى في حال فرض عقوبات، لأن منظمة أوبك+ تستطيع تعديل حصص الإنتاج ببساطة من أجل التأثير على الأسعار. وإذا قررت الدول الأعضاء في أوبك زيادة إنتاجها فسوف يزيد المعروض وتنخفض الأسعار، وقد تنخفض أسعار الطاقة كذلك في حال استمر ارتفاع أسعار الفائدة وعائدات السندات الحكومية على مستوى العالم، ما سيرفع تكاليف الإقراض ويؤدي لتباطؤ توقعات النمو العالمي. وسيقلل هذا بدوره من الطلب على النفط، لتنخفض الأسعار بالتبعية، وقال وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان إنه من الضروري اتخاذ خطوات "استباقية" من أجل إحلال الاستقرار في سوق النفط، التي تعرضت لضربة مؤخراً نتيجة المخاوف من احتمالية تعطيل حرب حماس-إسرائيل لإمدادات الشرق الأوسط. كما طمأن نائب رئيس الوزراء الروسي، ألكساندر نوفاك، الأسواق قائلاً إن سعر النفط الحالي يضع في الاعتبار تأثير صراع الشرق الأوسط، ويُظهر أن مخاطره ليست مرتفعة.
ومن ناحيةٍ أخرى، بدأت أسعار الغاز تنخفض بعد بلوغ ذروتها، في سبتمبر/أيلول، عندما قالت السعودية وروسيا للمرة الأولى إنهما ستخفضان إنتاجهما اليومي بمقدار مليون برميل. وفي الوقت ذاته، تباطأ إنتاج البنزين في المصافي الأمريكية نتيجة الارتفاع القياسي في درجات الحرارة جنوب البلاد. ومن المرجح أن يستمر التراجع بالتزامن مع برودة الطقس ونهاية موسم القيادة في الصيف.
وفي الوقت ذاته، خفضت الوكالة الدولية للطاقة توقعاتها بنمو الطلب على النفط في عام 2024، مشيرةً إلى أن الظروف الاقتصادية العالمية الأكثر قسوة وزيادة كفاءة الطاقة سيؤثران على الاستهلاك. وكتبت الوكالة في تقريرها الخاص بسوق النفط، والذي يحظى بمتابعة وثيقة: "لن يكون هناك تأثير مباشر على المعروض المادي، لكن الأسواق ستظل في حالة تأهب بالتزامن مع تكشّف الأزمة. وتشعر الأسواق بالقلق من تصعيد حاد في المخاطر الجيوسياسية بالشرق الأوسط، وهي المنطقة التي تمثل أكثر من ثلث تجارة النفط المنقول بحراً في العالم".
ويجب أن يراقب المتداولون تطور المشهد الجيوسياسي في الشرق الأوسط عن كثب، حتى يتوقعوا ديناميات السوق المستقبلية. وإذا تصاعدت التوترات وأدخلت الولايات المتحدة في مواجهةٍ مباشرة مع إيران، فسوف ترتفع أسعار النفط بين ليلة وضحاها. كما سترتفع المخاطر أكثر في حال قررت طهران إغلاق مضيق باب المندب انتقاماً من أي عدوان محتمل، لأن هذا الممر الملاحي يتمتع بأهمية قصوى في خريطة الإمدادات العالمية. ولا يجب أن تُغفلنا مكانة إسرائيل كدولة صغيرة في إنتاج النفط، عن حجم التأثير الكبير المحتمل للصراع على مستقبل النفط، وخاصةً إذا تورطت الأطراف الكبرى داخل المنطقة في الوضع المتكشف.
**مقال تحليلي للكاتب والباحث الاقتصادي التركي رحمي إنجة كارا، نشره موقع عربي بوست الإخباري..
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!