سمير العركي - الجزيرة نت
لم يحتَج المرشّح الرئاسيّ، والرئيس السّابق لحزب الشعب الجمهوريّ، كمال كليتشدارأوغلو، أكثرَ من ستّة أشهر حتى يسدّد فاتورة الخَسارة التي مني بها في الانتخابات الرئاسيّة والبرلمانيّة التي شهدتها تركيا في شهر مايو الماضي.
فبعد ثلاثةَ عشرَ عامًا قضاها في رئاسة الحزب، رحل كليتشدار أوغلو، بعد خَسارته الانتخابات الداخليَّة أمام أوزغور أوزيل، الذي تمكّن من حسم الرئاسة الثامنة للحزب بـ 812 صوتًا من إجمالي أصوات المندوبين خلال مؤتمر الحزب العادي الثامن والثلاثين الذي عُقد يوم 4 نوفمبر.
كليتشدار أوغلو مسيرة حافلة بالخسائر السياسيّة
في مايو 2010 تولّى كمال كليتشدار أوغلو رئاسة حزب الشّعب الجمهوريّ، عقب استقالة رئيس الحزب آنذاك، دنييز بايكال، إثر تسريب شريط فيديو فاضح، قيل إنّ جماعة "غولن" هي التي كانت تقف خلف التّسريب، في إطار خُطّتِها لإعادة هندسة المعارضة التركيّة.
تولّى كليتشدار أوغلو رئاسةَ الحزب، محملًا بإرث بيروقراطي وبرلمانيّ، حيث بدأ حياتَه الوظيفيّة موظفًا بسيطًا، وأنهاها رئيسًا لهيئة الضمان الاجتماعيّ، التي شهدت في عهده تراجعًا كبيرًا في تقديم خدماتها للجمهور.
هذه المسيرة الوظيفيّة أكسبته خبرة كبيرة استفاد منها في إدارة صراعاته وخلافاته داخل الحزب. وبعد تقاعده، نجحَ في دخول البرلمان لأوّل مرة عام 2002 عبر بوابة حزب الشّعب الجمهوريّ، لتبدأ مسيرة الصعود السياسيّ التي كلّلها بفوزه برئاسة الحزب.
لكنّ هذا النجاح الشخصيّ، لم يقابله أيُّ نجاحات على المستوى الحزبيّ؛ إذ خسر كليتشدار أوغلو جميع الانتخابات التي خاضها ضدّ حزب العدالة والتنمية، حتى إنه قبل تولّي رئاسة الحزب، خسرَ الانتخابات البلدية التي خاضَها مرشحًا لرئاسة بلدية إسطنبول، عام 2009، أمام مرشح حزب العدالة والتنمية.
رغم الخسائر البرلمانيّة والرئاسيّة والبلديّة- التي مني بها الحزب، على مدار سنوات رئاسته- فإنّه من الإجحاف تحميل كليتشدار أوغلو، المسؤوليّة وحدَه، فقد تسلّم الحزب وهو خارج السلطة منذ عقود، فمنذ انتخابات عام 1950 التي فاز فيها الحزب الديمقراطيّ، برئاسة الراحل، عدنان مندريس، لم يتمكّن حزب الشعب من تشكيل الحكومة منفردًا إلا عقب الانقلابات العسكرية، كما حدثَ بعد انقلاب عام 1960 على مندريس، إذ كلّف العسكر، حينها، رئيس حزب الشعب، عصمت إينونو، بتشكيل الحكومة في نوفمبر 1961.
أمّا في غياب الانقلابات العسكرية، فلم يستطع الحزب الفوز بالأغلبية التي تمكّنه من تشكيل الحكومة منفردًا، حيث تولّاها مشاركًا في ائتلاف حكوميّ أوسع، كما حدثَ عام 1974، حينما تولّى رئيس الحزب، بولنت أجاويد رئاسة الحكومة ضمن ائتلاف مع حزب السّلامة الوطنيّ المحافظ بزعامة نَجم الدين أربكان. أمّا الحكومة التي شكّلها أجاويد عام 1999 فكانت عقب تركه حزب الشّعب، وتأسيس حزب اليسار الديمقراطيّ.
إذن، لا يمكن تحميل كليتشدار أوغلو وحده، المسؤوليّة عن غياب الحزب عن الحكم، وملازمته كراسي المعارضة عقودًا طويلة، خاصة أنّه واجه خَصمًا سياسيًا قويًا مثل أردوغان، الذي نجح في الحفاظ على وحدة وتماسك حزب العدالة والتنمية، رغم الانشقاقات التي حدثت فيه، بل وأضاف إليه من خلال التحالف مع حزبِ الحركة القومية- الذي يمثّل اليمين القومي التركيّ- وأحزابٍ يمينية أخرى.
لكن بالرغم من هذه الخسائر، فقد نجحَ الرجل في انتزاع رئاسة بلديات كبرى مهمة من حزب العدالة والتنمية في انتخابات عام 2019، وفي مقدمتها إسطنبول وأنقرة وأنطاليا.
كما حاولَ إغلاق صفحة اضطهاد الحزب للمحجّبات في مراحل تاريخيّة معروفة، لكن جهوده لم تأتِ بالثمار التي كان يرجوها، إذ لم تقنع الرأي العام التركي، خاصة المحافظين.
بعيدًا عن ذلك، فقد ارتكب كليتشدار أوغلو، أخطاء إستراتيجية واضحة، يأتي في مقدمتها صبغ الحزب بالصبغة الطائفيّة، ومحاولة تحويله إلى حزب "علوي"، وذلك على حساب "الكماليين"، ما أدّى إلى نزوح الكثير منهم، وفي مقدمتهم، المرشح الرئاسي السابق، محرم إنجه. كما لم يعمل على تطوير خطاب الحزب والإصرار على التحالف مع حزب الشعوب الديمقراطيّ، المعروف بصلاته القوية بحزب العمال PKK ، كما أنّ تحالفاته الحزبية في الانتخابات الأخيرة كانت كارثية؛ إذ أهدى أحزابًا يمينية محافظة قرابة 40 مقعدًا برلمانيًا دون مقابل يستحقّ ذلك.
هل يصلح أوزغور أوزيل ما أفسده سلفه؟
ينحدر أوزيل من أسرة مهاجرة من منطقة البلقان، ولم يكمل عامه الخمسين بعدُ، حيث بدأ حياته صيدلانيًا، قبل الانضمام إلى حزب الشعب، ثم دخول البرلمان نائبًا عن ولاية مانيسا، ثم نائبًا لرئيس الكتلة البرلمانية، فرئيسًا لها في الدورة الأخيرة.
عُرف عن أوزيل قربه من كليتشدار أوغلو، حتى إن الرأي العام لا يزال يحتفظ له بمشهد بكائه خلال كلمة كليتشدار أوغلو أمام الاجتماع الأخير للكتلة البرلمانيّة للحزب، في مارس الماضي، قبل تفرّغه آنذاك للانتخابات الرئاسية.
اشتُهر أوزيل بأسلوبه الشعبويّ الأقرب إلى التهوّر، فكانت تصريحاته كثيرًا ما تثير الجدل، وينتهي مآل البعض أمام القضاء التركي!! ورغم المشوار الذي قطعه أوزيل داخل الحزب، فإنّه لا يتمتع بخبرة كليتشدار أوغلو وقدرته على إدارة الصراعات الداخلية في الحزب، ولا يمتلك ذات الرؤية في التصالح الجزئيّ مع قيم وثقافة المجتمع التركي.
لذا فمن المبكّر الحديث عن أي تغيير للحزب خلال فترة رئاسته، قبل متابعة قدرة الرجل على تطوير أسلوبه وأدائه، وطرح خطاب سياسي يتجاوز به الأداء الكلاسيكي "الإيديولوجي" للحزب.
لا يمتلكُ أوزيل رفاهية الوقت، فأمامه أربعة أشهر فقط، هي التي تفصل تركيا عن الانتخابات البلديّة، التي ستعدّ أول اختبار حقيقي له، وستكشف عن قدرته على بناء التحالفات مع الأحزاب الأخرى، واختيار المرشحين، ونجاحه في الحفاظ على رئاسة البلديات الكبرى.
كما أنها ستجيب عن تساؤل مهم عمّا ينتظر الحزب، وهل سيكون على أعتاب حقبة جديدة، أم أنه سيكمل على الطريق ذاته المعروف منذ عقود وهو زعامة المعارضة التركيّة؟!.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس