ترك برس
أعلنت تركيا الأسبوع الماضي تعليق مشاريع مشتركة بينها وبين إسرائيل في مجال الطاقة، وذلك رداً على "مجازر" الأخيرة بحق السكان المدنيين في قطاع غزة، وذلك تزامناً مع تطورات أخرى على الصعيدين السياسي والتجاري والدبلوماسي بين أنقرة وتل أبيب.
هذا القرار جاء أيضاً بالتزامن مع إلغاء وزير الطاقة التركي ألب أرسلان بيرقدار زيارته إلى تل أبيب.
ويعدّ التعاون الطاقي أحد أبرز محركات ودوافع توقيع اتفاقية التطبيع بين البلدين عام 2016، لكنّ امتناع إسرائيل آنذاك عن تقاسم تكلفة مدّ خطوط أنابيب الغاز الإسرائيلي التي كان من المخطط نقلها إلى أوروبا عبر تركيا، أدى إلى تأجيل تنفيذ المشروع.
وتشير التقارير إلى أن إسرائيل لديها نحو 750 مليار متر مكعب من احتياطيات الغاز المؤكدة وحوالي 50 مليون برميل من النفط، وتخطط لنقل نحو 10 مليارات متر مكعب سنويا من حقل غاز ليفياثان إلى السوق الأوروبية.
وتوضح الدراسات أن تركيا هي الممر الأنسب والأقل تكلفة بالنسبة لإسرائيل، رغم وجود بدائل تتمثل باليونان أو مصر أو المنشآت العائمة للغاز الطبيعي المسال، بحسب تقرير لـ "الجزيرة نت".
الأسباب والحيثيات
وتعود أسباب القرار التركي إلى عوامل عديدة تضاف إلى تصاعد العدوان على قطاع غزة.
يقول رئيس قسم الاقتصاد الإسلامي في جامعة صباح الدين زعيم بإسطنبول الدكتور عبد المطلب أربا، إن تركيا حرصت خلال الفترة الأخيرة على إقامة علاقات إيجابية مع دول المنطقة، بما في ذلك إسرائيل، لأهداف اقتصادية، خاصة في منطقة البحر المتوسط الذي يحظى بأهمية كبيرة في ربط خطوط الطاقة العالمية.
ويبين أربا أنّ أنقرة كانت تريد مشاركة إسرائيل في مشاريع عديدة تخص التنقيب عن الطاقة وإنتاجها ومن ثم تصديرها.
ويشير إلى أن تركيا لم تكن تتوقع حدوث عملية "طوفان الأقصى" التي قادتها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وحاولت في البداية التريّث والدعوة إلى التهدئة والتزام الحياد، لكن الأمور تغيّرت بعد ذلك حيث تمادت إسرائيل في عدوانها على الفلسطينيين.
ويضيف أربا أن تركيا عمدت لأخذ موقف قوي تجاه إسرائيل، فجمّدت التعاون مع إسرائيل في مجال الطاقة، وليس إلغاء، لأن فلسطين خط أحمر بالنسبة لتركيا سياسيا واجتماعيا، وهي رسالة إلى احتجاجات الشعب التركي المساندة لفلسطين، وكذلك رسالة إلى إسرائيل بأن تركيا غير راضية عما يجري.
ومن المتوقع أن تحصل هناك توازنات اقتصادية جديدة في المنطقة، بحسب أربا، لأن هناك حربا اقتصادية بموازاة الحرب العسكرية القائمة، وأن تركيا لديها علاقات قوية مع روسيا والصين ودول المنطقة وتستطيع أن يكون لها دور فاعل في تشكيل قواعد اللعبة.
ويحذر أربا من أن "إسرائيل تهدف إلى السيطرة على غزة والاستيلاء على حقول الغاز في السواحل المقابلة لها بالتعاون مع الإمارات ومصر وغيرهما، وذلك ضمن مخطط أميركي لإبعاد تركيا والصين وروسيا عن المشهد".
نبض الجماهير
من جانبه، يقول أستاذ الدراسات الفلسطينية، والمتخصص في الدراسات الإستراتيجية محسن محمد صالح، إنّ صانع القرار التركي مواكب لنبض الجماهير الرافضة لسلوك إسرائيل والمذابح بحق الشعب الفلسطيني.
ويضيف صالح أن قرار تركيا تعليق اتفاقيات نقل الغاز، سيعود بالضرر على إسرائيل لكون الخيار التركي هو الأنسب والأقل تكلفة، وفي المقابل فإن الموقف التركي -وإن كانت فيه خسائر اقتصادية- لكنه عبّر عن التضامن مع الحالة الفلسطينية.
ويؤكد أن تركيا لا تملك إلا أن تقف إلى جانب الشعب الفلسطيني، لا سيّما أن قضية فلسطين وقضية القدس والأقصى حساسة وأصيلة في الوجدان التركي الشعبي.
تداعيات قرار التعليق
ويتوقع مراقبون أن يؤدي تعليق تركيا تعاونها مع إسرائيل في مجال الطاقة إلى مزيد من التوتر بين الجانبين، لكنه لن يمس المصالح الاقتصادية الأخرى.
ويقول الباحث الاقتصادي المتخصص في شؤون النفط والطاقة عامر الشوبكي، إن غزة دائما كانت هي سبب في توقف تطور العلاقات ما بين تركيا وإسرائيل، وهذا حدث في الماضي عندما استهدفت إسرائيل سفينة "مافي مرمرة" التركية التي كانت بطريقها لغزة لكسر الحصار عام 2010، ما أدى لاستشهاد 10 أتراك.
ويعرب الشوبكي عن اعتقاده بأن "إعلان تركيا توقيف تعاونها في مجال الطاقة، هدفه معاقبة إسرائيل على موقفها وحربها على غزة، وهذا الأمر يحمل في طياته كثيرا من التداعيات، بعضها قد يخرج خارج نطاق العلاقات التركية الإسرائيلية، ليمتدّ إلى المصالح الأوروبية".
ويوضّح أن لدى إسرائيل خطة لبناء أنبوب غاز يمتد من حقول شرق المتوسط الإسرائيلية إلى قبرص ثم اليونان ثم إيطاليا لتزويد القارة الأوروبية، لكن هذا الأنبوب واجهته عقبات كبيرة بسبب تكاليف الإنشاء، لذلك فضّلت ربطه بالشبكة التركية المربوطة بالخطوط الأوروبية.
ويعتقد الشوبكي أن إسرائيل تفاجأت بالقرار التركي، وستحاول عرقلة خطط تركيا للتنقيب في شرق المتوسط، ويمكن أن يكون موضوع ترسيم المياه البحرية في المنطقة، عائقا أمام تركيا في المستقبل، لكن حرب غزة عطّلت كل هذه المشاريع، وبالتأكيد كانت ضربة لم يتوقعها الإسرائيليون.
من جانبه، يرى الخبير الاقتصادي أحمد ذكر الله، أن قرار تعليق التعاون في مجال الطاقة لا يؤثر على العلاقات التجارية القوية بين الجانبين، إذ بلغت صادرات تركيا إلى إسرائيل العام الماضي نحو 6.4 مليارات دولار، ما جعل إسرائيل تاسع أكبر سوق للصادرات التركية، وفي المقابل بلغت صادرات إسرائيل إلى تركيا نحو ملياري دولار خلال العام ذاته.
ويرجّح ذكر الله أن يكون قرار تعليق التنقيب المشترك عن الغاز مؤقتا، لأن تركيا تريد أن تكون مركزا للغاز الإسرائيلي في تصديره إلى أوروبا، وذلك ضمن المساعي التركية الحثيثة لتصبح المركز الدولي الأول لتصدير الغاز من مصادره المختلفة.
سيناريوهات مستقبلية
ويرى المحلل السياسي إبراهيم المدهون أنّ التطور الأهمّ في العلاقة بين إسرائيل وتركيا تتمثّل في رفض أردوغان وصف حركة حماس بأنها "حركة إرهابية"، واعتبرها حركة تحرر وطني، كما رفض إدانة عملية طوفان الأقصى.
ويضيف المدهون أن أردوغان أدان جرائم الحرب الإسرائيلية وطالب بتقديم مجرمي الحرب إلى العدالة، في تطور خطير بالعلاقات؛ بسبب عملية الإبادة التي قام بها الاحتلال الإسرائيلي ضد قطاع غزة.
ويلفت إلى أن هذه التصريحات تأتي في ظل تقارب إسرائيلي تركي كبير شهدته الأشهر القليلة الماضية، وتوّج بلقاء وفد برئاسة أردوغان بوفد إسرائيلي برئاسة نتنياهو وكان هناك حديث عن مشاريع متصلة.
ويستبعد المدهون أن تبادر تركيا إلى قرارات تمس التعاون الاقتصادي مع إسرائيل، لكنّ موضوع الطاقة كانت فيه أصلا إشكاليات سابقة خصوصا في النظرة إلى غاز المتوسط.
بدوره، يعتقد الباحث التركي محمد رقيب أوغلو، أن يؤدي استمرار العملية العسكرية في غزة إلى دفع تركيا لاتخاذ مزيد من الخطوات ضد إسرائيل.
ويشير رقيب أوغلو إلى أن الحكومة التركية تتعرض إلى ضغوط شعبية كبيرة، تدفعها إلى قطع العلاقة مع إسرائيل، خاصة مع استمرار العملية البرية في غزة واستشهاد مزيد من المدنيين.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!