محمد حسن القدّو - خاص ترك برس
تتميز العلاقات التركية القطرية بأنها تسيربوتيرة ثابتة ومستقرة لغرض توسيعها وتطويرها لتشمل مختلف نواحي النشاط الإنساني سواء الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي أو العلمي والذي توج بالتوقيع على وثيقة اللجنة الاستراتيجية العليا بين البلدين.
ماذا تعني هذه الوثيقة الاستراتيجية وما الذي ينتظره أبناء البلدين منها بعد توقيعها؟ بطبيعة الحال إن أية علاقات بين دولتين لا بد أن تستند إلى مقومات تكون بمثابة الأرضية لبناء قواعدها، وعلى هذا الأساس فإن القاعدة الصلبة التي تجمع الدولتين والشعبين هو الدين الواحد والقيم المشتركة والحضارة والتاريخ المشترك وبطبيعة الحال إن هذه القيم التي حافظ الشعبين عليها طول الفترة الماضية بالنتيجة تولد مزيدا من الاحترام المتبادل والمحبة الأخوية وتعميق الثقة بين الطرفين، وهذه الثقة المتبادلة بين الشعبين هي التي توسع من قاعدة العلاقات الثنائية وخصوصا إذا كانت هناك أهداف ومصالح مشتركة مشروعة تجمعهما.
هذه المقومات والأهداف والمصالح المشتركة بين الشعبين دفعت المسؤولين والقادة إلى تأسيس هيكلي تكون كمظلة للمحافظة عليها ولتوسيعها لتعطي بعدا آخر من الثقة إلى الشعبين نحو تطويرها وعلى هذا الأساس، تم التوقيع على وثيقة اللجنة الاستراتيجية العليا بين الرئيس أردوغان والأمير تميم.
ودولة قطر من جانبها تطمح إلى أن تجعل هذه العلاقة نموذجا يحتذى به في المحيط الإقليمي لكل الساعين إلى تحقيق الأمن والاستقرار والازدهار والتطور لدولهم وشعوبهم، وهذا التعبير أقتبسه من إجابة سعادة السفير سالم بن مبارك آل شافي سفير دولة قطر في تركيا والذي خصنا بهذا الجواب عن سؤالنا عن العلاقات الاستراتيجية بين تركيا وقطر.
ويأتي توقيت توقيع وثيقة اللجنة الاستراتيجية العليا مهمًا أيضًا لأن المنطقة تعاني من أزمات كثيرة وفوضى عارمة سببها التدخلات من القوى المهيمنة، والذي يحتم في ظل هذه الأوضاع المتردية أن تدير هذه الدول شؤونها بنفسها من خلال تكاتفها وتضامنها، ومن هنا أتت فكرة إنشاء اللجنة الاستراتيجية العليا بين البلدين، والتعبير أيضا مقتبس من جواب سعادة السفير آل شافي، والذي يتطلع إلى أن تكون هذه أولى الخطوات العملية نحو التكامل والتضامن بين الدولتين والشعبين، واللجنة الاستراتيجية العليا تتكفل وتساعد في اختصار الجهد والوقت لتحقيقها.
والحديث عن العلاقات الاقتصادية والتي تطورت بين البلدين خلال العقد الماضي وشملت نخبة من القرارات المتعلقة بمذكرات التفاهم والتعاون في الأمور المالية والمصرفية التي مهدت الطريق لقيام كثير من الأنشطة الاقتصادية بين البلدين والشعبين، وشملت هذه الأنشطة قيام الشركات التركية والقطرية بالاستثمار في البلدين حيث نشطت الشركات التركية في قطاع البناء وألإنشاءات في قطر بما يقارب من 119 مشروعا، وهناك أكثر من ستين شركة تركية تتولى الاستثمار في هذه القطاعات في دولة قطر.
أما الشركات القطرية والعاملة في الأراضي التركية فهي تنشط في تطوير القطاع العقاري عبر امتلاكها الأراضي وبنائها وإنشاء المناطق والمنتجعات والفنادق السياحية.
أما حجم التبادل التجاري بين البلدين فقد بلغ أكثر من خمسين ضعفا في عام 2013 عما كان عليه قبل عام 2001، وفي أيلول/ سبتمبر من عام 2014، وفي أثناء زيارته إلى الدوحة، صرح الرئيس أردوغان بأن بلاده ودولة قطر تقودان حملة اقتصادية وتنموية مهمة لأبناء المنطقة بصورة عامة. وبعد التوقيع على مذكرة تفاهم لتأسيس اللجنة الاستراتيجية العليا بين البلدين تتولى هذه اللجنة دعم التعاون في المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية والاستثمار والتعليم والثقافة والعلوم والتكنولوجيا والطاقة والزراعة والاتصالات، وبعد توقيع الاتفاق من قبل أمير دولة قطر بمرسوم أميري برقم 29 لسنة 2015 أصبح الاتفاق نافذا وله قوة القانون وفقا للمادة 68 من الدستور القطري.
وعلى الرغم مع هذا التوسع، فإن القطريين يرونه دون المستوى المأمول ودون سقف طموحاتهم، لأن البلدين يتمتعان بقدرات وطاقات اقتصادية كبيرة في مجال الخبرة ورؤوس الأموال، والتي تؤهلها لعقد شراكة اقتصادية متكاملة عامة بين البلدين وعلى أعلى المستويات وحسب ما يراه السفير القطري.
"نحن وقّعنا في القمّة الأولى للجنة الاستراتيجيّة العليا على مستوى قيادتي البلدين والتي استضافت الدوحة أعمال دورتها الأولى بتاريخ 2 كانون الأول/ ديسمبر 2015 على 16 اتفاقيّة في مجالات مختلفة تشمل قطاعات الأمن والمصارف والمال والتعليم والصحافة والمعلومات والبيئة والأرشفة والنقل والطاقة، ونقوم الآن باستكمال التحضيرات اللازمة للتوقيع على اتفاقيات في مجالات أخرى في المستقبل القريب"، هذا نص جواب سعادة السفير القطري والذي أكد أن التركيز في المجال الاستثماري بين البلدين يتم في هذه المرحلة على بعض القطاعات التي تحتلّ أولويّة كقطاع الإنشاءات والمقاولات على سبيل المثال وقطاع الطاقة وقطاع المصارف وقطاع التصنيع والنقل خاصّة أنّ الاستثمارات المستقبلية المحتملة في هذه القطاعات تبلغ قيمتها عشرات المليارات من الدولارات. هناك بعض العقبات البيروقراطيّة التي حالت دون إنجازها بشكل سريع، وفي بعض الحالات كانت ضخامة حجم الاستثمار تتطلب من الجانبين دراسة المشاريع بعناية تامة قبل التوقيع عليها. لكن نأمل ان تساعد الاتفاقيات التي تمّ التوصل إليها من خلال اللجنة الإستراتيجية العليا على إعطاء الزخم اللازم والمطلوب للعلاقات الإقتصادية بين بلدينا، وسنعمل بعدها على تقييم المنجزات من جديد لنرى مقدار ما تحقق منها.
أما في مجال الطاقة فقد وقّعت الشركة التركية لإنتاج الطاقة اتفاقية مع شركة قطر القابضة للتطويرفي مجال الطاقة بين البلدين، وقد وقّع الاتفاق وزيري الطاقة والموارد الطبيعية في البلدين عام 2013 الماضي. وكذلك توقيع اتفاقية تعاون بين شركة توليد الكهرباء التركية وقطر القابضة في الوقت ذاته.
وعند سؤالي عن النشاطات الثقافية والسعي التركي لتعليم اللغة العربية للمواطنين الاتراك وماهي مبادرات الجانب القطري لفتح مراكز لتعليم اللغة العربية لغة القرأن أو المساهمة في دعم هذا التوجه من خلال اقامة منتديات ثقافية وأمسيات أدبية فأجاب سعادته قائلا:
"اللغة عنصر مهم وأساسي في تواصل الشعوب مع بعضها البعض وفي إقامة علاقات ثنائية على أسس متينة لا تخضع لتقلّبات سياسيّة وإنما تستند إلى قاعدة التواصل الشعبي، ولذلك هناك حرص لدى الجانبين على أن لا يتم التخاطب والتواصل والتفاهم من خلال لغة وسيطة أو ثالثة، ونحن ننظر إلى هذا الشيء بكثير من الأهمّية ونساعد على تحقيقه من خلال برامج ومشاريع ذات صلة. على سبيل المثال، تمّ خلال الزيارة الأخيرة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان افتتاح المركز الثقافي التركي (يونس إمره) في الدوحة، وسيصار إلى افتتاح تخصص الدراسات التركيّة أيضًا قريبا في بعض الجامعات القطرية".
من جانبنا، والحديث للسفير القطري كنّا قد أطلقنا مبادرة لجعل العام 2015 عاما ثقافيا قطريًا – تركيًا، وأقمنا خلال العام المنصرم العديد من الفعاليات الثقافيّة الناجحة في البلدين مع برنامج غني لغرض استكشاف الثقافات المعاصرة والتقليدية في كل من البلدين وشملت معارض ومهرجانات وعروض وبرامج تعليمية وتبادلات ثقافية. وسلّطت كل هذه الأنشطة الضوء على الجوانب الفريدة لكل أمة، وكذلك الاهتمامات المشتركة بين مواطنيها، كما إقترحنا كسفارة إمكانيّة إقامة مركز ثقافي عربي في إسطنبول ليخدم الفكرة التي تحدثت عنها في البداية، ونأمل ان ترى مثل هذه الفكرة النورفي اقرب وقت.
في السياق الثنائي، يجري العمل الآن على مذكرة تفاهم في المجال الثقافي تهدف إلى تعزيز العلاقات بين شعبي البلدين على المستوى النخبوي والشعبي وتشمل تنظيم نشاطات ثقافية مختلفة في البلدين وتطوير التعاون بين المؤسسات الثقافية ودعوة الخبراء من الجانبين وتبادل الخبرات، بالإضافة إلى التعاون في مجال الإنتاج السينمائي المشترك وحماية التراث. مع تكوين شراكات ثقافية بين المنظمات والمؤسسات القطرية والتركية والأفراد من البلدين الشقيقين.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس