نهاد علي أوزجان - صحيفة ملييت - ترجمة وتحرير ترك برس
تشير الإحصائيات إلى أنّ نسبة الحروب بين الدول، قد انخفضت إلى أدنى مستوى لها في الخمسة وعشرين سنة الماضية، لكن في مقابل ذلك، عدد الحروب والنزاعات بين الدول الفاعلة خارج حدودها، أو داخل حدود دولة ما، يزيد على ثلاثمائة، كالحروب الجارية في ليبيا وأفغانستان واليمن وسوريا.
هذه الحروب تختلف عن الحروب الأخرى، وأول خصائصها أنها لا تنتهي سريعا وإنما تستمر طويلا، ومنها ما استمر عشرات السنوات، وتتسبب هذه الحروب بقتل المدنيين، وتتسب بمآسي إنسانية، وتؤلم ضمير الإنسانية، ولأن مثل هذه الحروب ليس لها جبهات محددة، ولا قواعد محددة، تكون مفتوحة، ونعيش خلالها صدمات ومفاجآت عديدة.
وهذه الخصائص جعلت من المستحيل الحديث عن "انتصار"، فحتى الولايات المتحدة الأمريكية، لم تستطع أنْ تظهر بمظهر "المنتصر" برغم أنها صرفت مليارات الدولارات في العراق وأفغانستان، إلا أنّ ذلك لم يكفيها لتخرج "منتصرة".
أمريكا اليوم تلتف حول مشكلة داعش في سوريا والعراق، ولا تريد التدخل، ليؤكد أوباما على استمرار ما قاله عام 2014، حينما تحدث عن مشاركة 2.5 مليون جندي أمريكي في العراق وأفغانستان، ووعد الخريجين الجدد بعدم المشاركة في مثل هذه المهام، واستمر عند وعده حتى يومنا هذا.
لكن هناك متطلبات، وثمن، لتكون قوة عالمية، ومن أجل أنْ تستمر في كونك قوة عالمية، عليك المشاركة بصورة فعالة في الساحة الدولية، وأنْ تخلق الحلول، وتقنع بها الرأي العام الداخلي، ولذلك بعد هزيمة فيتنام، قررت الولايات المتحدة الأمريكية رفع التجنيد الإجباري، والانتقال إلى الجيش المحترف.
لا تريد أمريكا اليوم المشاركة بصورة مباشرة في أي حرب، لكنّ هناك مواضيع عليها الاهتمام بها والعمل عليها، مثل منافسة روسيا، ومنع انتشار الأسلحة الكيميائية، و"محاربة الإرهاب"، وغيرها من متطلبات أنْ تكون قوة عالمية.
وفي هذا الإطار، يأتي دور جهاز الاستخبارات الأمريكي والقوات الخاصة الأمريكية، للقيام بعمليات سرية، وهي تقوم بذلك تارة لوحدها، وتارة بالتعاون مع حلفائها في سوريا، وهذا يبدو جليا من خلال تسليح وتعليم عساكر حزب الاتحاد الديمقراطي "بي يي دي"، وحزب العمال الكردستاني "بي كي كي"، حتى وصل الأمر بهم إلى غض الطرف عن الأزمة السياسية التي تسببوا بها مع حليفتهم تركيا، لأنهم يسعون لتحقيق أهدافهم باستخدام هذه المنظمات.
تحولت سوريا اليوم إلى ساحة لحرب بين أجهزة الاستخبارات، أكثر من كونها لساحة حرب بين جيوش، وبذلك أصبحت سوريا والمنطقة المجاورة أكثر بقعة جغرافية على وجه الأرض تتواجد فيها أجهزة الاستخبارات بهذه الكثافة، ويبدو هذا واضحا من مجرد النظر إلى المتواجدين في سوريا، فتجد من جميع اللغات والأجناس والأديان والبلدان.
لا تهدف أجهزة الاستخبارات هذه إلى متابعة الدول المستهدفة فقط، وإنما إلى مراقبة الدول الصديقة أيضا، حيث يملكون المال والسلاح، ولذلك يتعاونون مع "مجموعات المعارضة" التي ازداد عددها عن مائة، ويملكون بيدهم الخرائط، ويملكون للمستقبل وعودا سياسية، يقدمونها لهم مقابل أنْ يقوموا بالدور المنوط بهم بما يحقق أهداف تلك الأجهزة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس