رداد السلامي - خاص ترك برس
كمتابع للأحداث أتفهم سعي تركيا إلى محاولة التقارب مع إيران لحل المسالة السورية، لكن الشيء الذي لا يمكن تصديقه مطلقا أن هناك خلافات أو تخوفات إيرانية من الدور الروسي في سوريا، بل هناك رضىً تام بما تقوم به روسيا من قبل إيران، فهما حليفان حميمان تصل درجة العشق بينهما حدا بلغ تسليح ايران بأقوى الاسلحة وتمكينها من تصنيع السلاح، قبل يومين قرأت تصريح لرئيس الوزراء "أحمد داود أوغلو" قال فيه: "حافظنا على استقرار تركيا رغم الحروب والصراعات التي تدور حولها منذ 5 أعوام، ولن نسمح لأحد بجرّها إلى أي مغامرة."
إلى حد ما يفتقر هذا التصريح السياسي إلى بُعد في مسألة حقيقة استقرار تركيا المستقبلي لأن تقسيم سوريا هو المعضلة الحقيقية التي ستشكل الأحداث الدراماتيكية القادمة بكل تداعياتها وأبعادها على تركيا وأمنها القومي وسيادتها وعلى المنطقة ككل خصوصا المملكة العربية السعودية، فالمدخل لتحقيق الرؤية الغربية لمفهوم الشرق الأوسط الجديد هو تقسيم سوريا البروفة الأولية لسيناريوهات تقسيمية قادمة لن تستثني حتى المقسم في المنطقة، وإيران بالنسبة لكل من أمريكا وروسيا أداة فاعلة ومؤثرة في رسم مشهد الفوضى الذي هيأ لهذا التقسيم وأربك المنطقة وأسهم في إجهاض مشروع الربيع العربي وحد من قدرة تركيا على تحقيق مفهومها الاستراتيجي المرتكز على رؤية إسلامية نهضوية تعيد توحيد المنطقة بشكل منسق ومتعاون ومتكاتف لتجاوز مشاريع التمزيق والهيمنة والاستتباع.
ويرى البعض أن تركيا ترى أن إيران قد تلعب دورًا في حل الأزمات وأنها بذلك ترسل رسائل لدول المنطقة بأنها لن تكون شريك في أي خطوة الهدف منها عزل إيران إقليميا، لكني أرى أن مخطط محاصرة إيران عربيا واحتواؤها تركيا قد فشل وإن كان قد نجح على مستوى الداخل العربي في محاصرة أدواتها وتجميد فاعلية عملائها المذهبيين، لان أمريكا وأوروبا رفعوا العقوبات عنها فيما دور روسيا هو تقسيم سوريا ومنح إيران حصة أكبر وتوفير أدوات كردية لها في سوريا تستطيع تحريكها ضد تركيا متى بدأت في إسناد أشقائها العرب مستقبلا، إذ أن السعودية ستبقى هدفًا من أهداف إيران الخاصة وتلك التي تتحرك وفق منظورات روسيا وأمريكا كحليفين لم تعد الأيدوجيا تلعب أي دور في التفريق بينهما طالما أن هناك اتفاق مصالح وتوافقًا مسيحيًا خفيًا.
أجّلت تركيا مغامراتها في سوريا منذ زمن وتأجيل هذه المغامرة سيجبرها على خوض مغامرات قاسية ومكلفة ومؤلمة حفاظا على أمنها القومي فحين قال نجم الدين أربكان رحمه الله ذات مرة إن الغرب إذا جاء إلى سوريا فإنه يستهدف تركيا لم يقل ذلك من فراغ ولكن من وعي بالتاريخ والجغرافيا وبالصراع وحقيقته وجوهره، فقد توافرت منذ منتصف الأزمة السورية على الأرجح الفرصة لتركيا كي تفعل ما يمنح المعارضة السورية القوة من خلال توجيه ضربة استراتيجية بالاتفاق والتنسيق مع السعودية لنظام بشار المدعوم إيرانيًا وروسيًا وإضعاف قوته العسكرية وتسليح المقاومة لكي تتقدم، لكنها لم تفعل وترددت حتى استدرجت إيران روسيا إلى سوريا فيما ظلت أمريكا تصدر تصريحات ماكرة جعلت العرب والأتراك يعتقدون أنها لن ترضى عمّا تفعله روسيا أو عن حضور روسيا إلى المنطقة لتسد فراغًا صنعته أمريكا وملأته بإيران وروسيا!
فأمريكا تريد أن تكون تركيا ضعيفة باستمرار سواء حكمها علمانيون أو إسلاميون، المهم أن تبقى ضعيفة، غير أنها تسعى لتمكين العلمانيين لأنهم حملان وديعة لها، ويسهمون في تحقيق أهدافها المتمثلة في إضعاف تركيا ودورها وعزلها عن عمقها العربي والإسلامي ومحو ذاكرتها التاريخية وهويتها التي صنعت نهضتها وقوتها اليوم.
لقد أضاعت تركيا فرصة تحقيق تقدم إضافي لمفهوم القوة متناسية مضامين مفهوم نظريتها في العمق الاستراتيجي فعندما تواتيك الفرصة لتكون في تموضع قوي فلا تتأخر، لأن الفراغ سيسده باحثون كُثُر عن القوة.
لكن تبقى فرصة واحدة هي السعي لبناء منظومة تسليح قوية ومتقدمة وإفشال مشروع تقسيم سوريا وهذا لن يتم إلا بتنسيق إسلامي سعودي تركي ومن خلال البناء على نواة التحالف الإسلامي الذي بدأته السعودية وبالاستمرار والمثابرة وتناسق الجهود وفق رؤية استراتيجية مشتركة يستطيع المسلمون تغيير الأحداث وتشكيل قوتهم الذاتية الصاعدة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس