أفق أولوطاش – صحيفة أفشام – ترجمة وتحرير ترك برس
مع تغير الأخبار السورية بين الموجات السلبية والإيجابية قامت روسيا بحركتها المفاجئة الأولى واقتحمت الساحة السورية قبل ستة أشهر من الآن، ورغم تحقيقها لهدفا المتمثل بإعادة التوازن بين قوى المعارضة وبشار الأسد إلا أنها أعلنت قرارا آخر مفاجئ بانسحابها رغم تفوقها الميداني وموقعها المهاجم على المعارضة المدافعة، وفي إطار التحضيرات الجارية لمؤتمر جنيف يقوم حزب العمال الكردستاني بإعلان فيدراليته في الشمال السوري ليفتح باب التوقعات لألغاز المستقبل من جديد.
في ظل هذه التطورات نعود بالذاكرة قليلا إلى الوراء قبل 5 أشهر ونتذكر كلام الساسة والمحللين الروس الذين كانوا يؤكدون ويقولون إن التدخل الروسي لن يكون طويلا كما ساد في الأوساط السياسية، فروسيا غير قادرة لا ماديا ولا معنويا على دخول حرب استنزاف تمتد لسنوات، ووصل الحال ببعض المحللين إلى قول إن أقصى حد سيمتد إليه التدخل هو 6 أشهر، وهو ما يعني أن الانسحاب الروسي بالنسبة لهم لم يكن شيئا مفاجئا وإنما جاء حسب المتوقع وعلى قدر الإمكانيات والقدرات.
في إعلان الانسحاب قال بوتين إن قواته أنهت مهمتها التي جاءت من أجلها، وهنا أسال: ألم تكن مهمتهم التي جاؤوا من أجلها هي محاربة داعش؟ فكيف يخرجون وقد نسوا تلك المعركة؟ انسحاب روسيا بعد تحقيق هدفها من دون معركة حقيقية ضد تنظيم داعش يُظهر وبشكل واضح أن الهدف الحقيقي الذي جاء الروس من أجله لم يكن كما أعلنوا وإنما هو هدف آخر أسروه في أنفسهم، وهذا الهدف هو إيقاف تقدم المعارضة التي كانت قد تجاوزت إدلب إلى حماة مما بات يشكل خطرا استراتيجيا على بقاء الأسد، كما وكان من أهدافهم أيضا تعزيز مكانهم السياسي في طاولة المفاوضات السورية، وبهذا رأينا أنه وبعد تحقيق تلك الأهداف أعلنت روسيا انسحابها في اتفاقية تعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية.
جاء إعلان قيام الفدرالية في الشمال السوري كخطوة روسية لاحقة للانسحاب رغم معارضة إيران ونظام الأسد، فإيران والأسد ما زالوا مصرين على إعادة حكم سوريا الموحدة من قبلهم، وبهذا يكون الروس قد حضروا أنفسهم جيدا لمؤتمر جنيف الذي سيكون من أجل تقسيم سوريا غير المستقرة برايهم، فهم يعتقدون بأن بقاء سوريا موحدة هو أمر غير ممكن، كما ويريد الروس تقويض النفوذ الإيراني بالضغط في اتجاه سحب المليشيات الإيرانية أو تهذيبها؛ لأن مصالح روسيا المشتركة مع المصالح الإسرائيلية تتضارب مع ذلك النفوذ المتعاظم لإيران في المنطقة، كما وتريد روسيا بسط نفوذها على الساحل.
لم يكن إعلان حزب العمال الكردستاني لفيدراليته في الشامل السوري قبل مؤتمر جنيف بعدما تم اقصائه من لائحة المدعوين بالضغط التركي محض صدفة، بل هو أمر له مقدماته وتوابعه، فنجد مثلا أن أكبر الداعمين لهذه الفدرالية هم الروس ومن خلفهم الأمريكان حتى ولو أعلنوا غير ذلك، وفي ظل العداوة التي جمعتها الفدرالية بعداء المعارضة وتنظيم داعش ونظام الأسد فإن بقائها سيكون مجرد أحلام وردية من غير الغطاء الجوي الروسي، وهو ما يعني أن روسيا وإن سحبت طائراتها ستعيدها حتما، أو سيتم تغيير الغطاء الجوي من يد الروس إلى يد الأمريكان تحت مظلة التحالف الدولي.
حتى نعلم حقيقة هذا الانسحاب وملامحه الحقيقية يجب علينا أن ننتظر ونرى إلى ماذا ستؤول الأمور في مؤتمر جنيف القادم وفي فدرالية حزب العمال الكردستاني، فالانسحاب الروسي الحالي لا يعدو عن كونه مجرد انسحاب تكتيكي استراتيجي يتماشى مع الظروف والمصالح الروسية، وإلا فإن روسيا قادرة على العودة بنفس السرعة التي انسحبت بها إن صارت الأمور إلى ذلك.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس