أ. محمد حامد - خاص ترك برس
عززت الاكتشافات الأخيرة للنفط والغاز في البحر المتوسط من أهميته الجيو- استراتيجية نظرا لكونه ممرا سريعا للتجارة البحرية، وأحد أعظم التقاطعات الإستراتيجية. بيد أن هذه الأهمية قد تكون فتيلا لاندلاع النزاعات والصراعات سواء بين دول حوض البحر المتوسط نفسه، كما في الحالة التركية اليونانية أو الإسرائيلية اللبنانية، وبين دول أخرى بعيدة كروسيا والولايات المتحدة تملك مصالح متناقضة في منطقة شرق المتوسط.
وفي هذا الإطار نشر معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي ورقة بحثية بعنوان "بناء الثقة في البحر: إطار إقليمي لتعزيز الأمن البحري في الشرق الأوسط" دعا فيهاالباحثان شلومو بروم المدير السابق لشعبة التخطيط الإستراتيجي في الجيش الإسرائيلي، وإيميلي لانداو رئيسة برنامج أبحاث الرقابة على الأسلحة والأمن الإقليمي، إلى عقد مؤتمر يضم مصر وإسرائيل وتركيا واليونان وقبرص والدول الأوربية وروسيا والولايات المتحدة، بهدف اتخاذ خطوات تمنع حدوث احتكاكات بين هذه الدول في منطقة شرق المتوسط، إلى جانب بحث حماية حقول النفط والغاز.
لكن هذا هو الهدف الظاهر من تلك الدعوة لعقد المؤتمر، بينما الهدف الرئيس هو ترسيخ الترسيم الذي تعتمده إسرائيل لمياهها الاقتصادية مع قطاع غزة ولبنان، وحماية حقولها من الغاز في المقام الأول، وهو ما ألمح إليه الباحثان فيما بعد حين قالا إنه منذ اكتشاف احتياطيات الغاز الضخمة في المياه الاقتصادية الإسرائيلية عام 1999 ثم المياه الاقتصادية القبرصية، شعرت الدولتان بأهمية زيادة وجودهما العسكري في البحر المتوسط لحماية حقول الغاز. لكن زيادة التواجد العسكري الإسرائيلي والقبرصي في هذه المنطقة يزيد من احتمال حدوث احتكاكات مع سفن من دول مجاورة.
ويوضح الباحثان أن إسرائيل خصصت ميزانية كبيرة لبناء قدراتها الدفاعية عن منشآت الغاز، ولكن على الرغم العلاقات الودية التي تربطها بقبرص والتنسيق الوثيق بينهما، فإن دولا أخرى معادية مثل لبنان وسوريا قد تنضمان إلى قائمة الدول التي تبحث عن الغاز في مياهها البحرية، الأمر الذي يستدعي إيجاد آليات لمنع احتكاك بين قواتها البحرية.
لإسرائيل، كما تؤكد الدراسة، مصلحة واضحة في اقتراح عقد مباحثات في هذا الصدد، لكن طبيعة هذه المباحثات يجب أن تكون مختلفة في بعض النواحي عن تلك التي أجريت في إطار مؤتمر الرقابة على الأسلحة والأمن الإقليمي الذي عقد في مطلع تسعينيات القرن الماضي: أولا من حيث المشاركين حيث يجب أن تشمل المباحثات جميع الدول المطلة على شرق المتوسط، والدول التي شاركت من قبل في مؤتمر الأمن الإقليمي مثل إسرائيل ومصر، أو الدول التي لم تشارك مثل سوريا ولبنان وليبيا، بالإضافة إلى تركيا ودول أوربية أخرى كاليونان وقبرص، إلى جانب القوى العظمى العاملة في المتوسط مثل روسيا والولايات المتحدة وبريطانيا.
ويرى الباحثان ضرورة أن تتركز المباحثات أيضا على منطقة بحرية محددة، وهي هنا شرق البحر المتوسط، وأن تركز على خطوات بناء الثقة وليس مجرد نقاشات عامة. وثمة قضية أخيرة لا بد من اتخاذ قرار حاسم بشأنها وهي هل تشمل إجراءات بناء الثقة الخطوات المتعلقة بالحوادث البحرية أو يتم التركيز على تحسين قنوات الاتصال.
ويلفت الباحثان إلى أن مشاركة إسرائيل في المباحثات قد تدفع بدول مثل سوريا ولبنان إلى رفض المشاركة فيها، ولهذا تقترح الدراسة للتغلب على رفض مشاركة إسرائيل أن يعهد إلى الولايات المتحدة وروسيا بتنظيم وتسيير إطار المباحثات، بحيث تتمكن روسيا من استخدام نفوذها للحصول على موافقة سوريا على التعاون في المفاوضات. وثمة خيار آخر يتمثل في تنظيم المباحثات في إطار الأمم المتحدة التي ستوجه الدعوة إلى الدول للمشاركة في المباحثات، كما ستختار الدولة الوسيطة التي تضع الأساس لإطار المباحثات.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس