هاشمت بابا اوغلو – صحيفة صباح – ترجمة وتحرير ترك برس
من الواضح أننا على وشك رؤية شرق أوسط ونظام عالمي جديد.
إذا كان الأمر كذلك، فإنني أودّ أن أعطي نبذة تاريخية عن هذا الموضوع.
لم يتسنّى لتركيا أن تطيل مسيرة المصالحة الوطنية أكثر. كما لم يتسنّى لها أن تؤجّل التعريف بالمجتمع التركي الجديد في ظل تسارع الأحداث نحو إعلان المنظومة العالمية الجديدة.
فقد جلست القيادة التركية إلى طاولة الحوار والمفاوضات. ومن المعروف عالمياً أن سبيل إنجاح مثل هذه المفاوضات تستلزم التحاور والتفاوض بين الأطراف المتحاربة. وهذا ما حصل بالضبط.
لقد قامت الحكومة التركية بدعوة المتشدّدين للقومية الكردية والقيادات المدنيّة لتنظيم بي كي كي وجميع شرائح المجتمع الكردي الى العمل السياسي.
وإن إمكانية تباحثنا اليوم بالحركة السياسية الكردية بأريحية تامّة، يعود فضله لعملية المصالحة التي بدأت مؤخّراً. فلو قمنا بمقارنة يومنا هذه بالفترة التي سبقت إنطلاق هذه العملية، لوجدنا أن هناك أموراً كثيرة قد تغييرت على صعيد الحرّيات. ففي الماضي لم يكن أحد يجرؤ على التفوّه بالقضية الكردية ولا حتى إبداء الرأي في هذا الموضوع.
لم يكن المجتمع الدولي يهتم بالقضية الكردية من قبل. حيث كان جلّ اهتمامه ينصبّ حول من سيتولّى قيادة الأكراد في هذه المنطقة. ولهذا السبب تعمّدت الدول العظمى إطالة أمد الحروب في منطقتنا.
إنّ القوى العالمية الخفية التي تتحكّم في الشؤون العالمية، أبدت انزعاجاً من تقدّم عملية المصالحة الوطنية التي تقودها الحكومة التركية. لذلك بدؤوا بالتآمرعلى الحكومة التركية. حيث تجلّت هذه المؤامرة في أحداث غيزي بارك عام 2013.
لا أودّ هنا ان أسرد الأحداث المعروفة من قبل الجميع. لكني أريد أن ألفت انتباه قرّائي إلى نقطة مهمة وهي.
لقد تزامنت فترة محاولات الكيان الموازي بالانقلاب على الحكومة مع انشاء حزب جديد. وقد حاول هذا الحزب جذب الأكراد الذين رفضوا المشاركة في أحداث غيزي بارك وصهرهم ضمن الثقافة التي قادت هذه الاحداث.
لقد رحّب الكتّاب الليبيراليون الذين كانوا يتنزّهون على متن القوارب في الجزر اليونانية عندما كانت البلاد تشتعل بنيران احداث غيزي بارك، بتحزّب أولئك الذين كانوا يدّعون بأنّ أحداث غيزي بارك ما هي إلّا بداية مرحلة عصيبة ستعصف بالبلاد.
والأغرب من ذلك أن وسائل الإعلام التابعة لمؤسسة "دوغان" بدأت بالترويج لليسارية بالتزامن مع تأسيس حزب السلامة والديمقراطية. وبعد انتخابات الإدارة المحلية التي جرت في شهر آذار من العام الماضي، حصل ما كان متوقعاً. حيث تمّ دمج حزبي السلامة والديمقراطية مع حزب الشعوب الديمقراطية تحت اسم الحزب الجديد المتمثّل بحزب الشعوب الديمقراطية.
النتيجة
لقد اختلط جدول أعمال القائمين على تسيير أمور المصالحة الوطنية في الايام الأخيرة. وبدأت قيادات حزب الشعوب الديمقراطية تتصرّف عكس ما يوعز إليهم من قبل عبد الله اوجالان الذي كان يدعوا الى السكينة والجلوس على طاولة المفاوضات مع الحكومة التركية.
الآن يريدون أن يعكسوا نبض الشارع الصاخب الى طاولة المفاوضات. كما أنهم يريدون خلط الأوراق عن طريق الدمج بين القضية الكردية الداخلية والأحداث الدامية في الشرق الاوسط.
يجب أن نعي هذا الواقع :إن مشروع تأسيس حزب الشعوب الديمقراطية كان مشروعا سيئا بالنسبة للحركة الكردية السياسية والأتراك على حد سواء.
فماذا ننتظر من هذا الحزب الذي تشكّل من بقايا اليساريين الذين لم يفلحوا في إنجاز أي شيء في تركيا. فتراهم تارة يدعمون الكيان الموازي وتراهم تارة يسيرون وراء القيادات الامريكية في حين أنهم تبنّوا شعار "مناهضة الامبريالية". إنهم يظهرون تناقضاً واضحاً في كل الأمور والمستجدات.
لم أستطع أن أفهم هذا الغموض الذي ارتسم على وجه صلاح الدين ديميرتاش عندما التقى مع الصحفيين بالأمس. لكنني أظن أن عملية المصالحة الوطنية لن تتكلّل بالنجاح من دون إزالة قيادات حزب الشعوب الديمقراطية من طاولة المفاوضات.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس